محتوى
سورة القصص:
المعروف أنّ هذه السورة نزلت بمكّة، وبإمكاننا ملاحظة أنّ محتواها الكلي وخطوطها
العامّة الأساسيّة على شاكلة السور المكّية . يراجع
في هذا الشأن «تاريخ القرآن» لأبي عبدالله الزنجاني
و«الفهرست» لابن النديم، وكتب التّفسير الأخرى.. غير أن بعض المفسّرين استثنوا الآية 85، أو الآيات
51 ـ 55 من هذه السورة معتقدين أن الآية الأُولى
«85» نزلت بالجحفة ـ وهي منطقة بين مكّة
والمدينة ـ وأمّا الآيات الاربع الأُخرى
فيقولون: إنّها نزلت بالمدينة. ولا يوجد دليل واضح على كلامهم.. ولعل محتوى الآيات الخمس التي تتحدث عن أهل
الكتاب. (وكان أكثر أهل الكتاب يقطنون في المدينة).
كان سبباً لمثل هذا التصور. في حين أن نزول الآيات القرآنية في مكّة لا يعني
إنّها لابدّ أن تتحدث عن المشركين في مكّة فحسب، وخاصّة أن أهالي مكّة والمدنيّة
كانت لهم رحلات متقابلة وعلاقات وروابط قبلية وتجارية. وبالطبع فإن المفسّرين ذكروا سبباً آخرلنزول الآيات
52 ـ 55 يتناسب مع كونها مدينة، وسنتحدث;
عن ذلك في محله إن شاء الله.. أمّا الآية (85) التي تتحدث عن عودة النّبي إلى موطنه الأصلي، أي «مكّة» فلا مانع من أن تكون نزلت حين خروجه وهجرته
من مكّة على مقربة من هذه الأرض المقدسة... لأنّ النبي كان في غاية الشوق
والحنين لمكّة بلد الله الحرام الآمن، والله سبحانه يبشره في هذه الآية بأنّه
سيردّه إلى معاده «مكّة المكرمة».
فعلى هذا
الأساس يمكن أن تكون هذه الآية ـ المشار إليها آنفاً ـ
مكيّة، ولو فرضنا أنّها نزلت «بالجحفة» فهي إلى مكّة أقرب منها إلى المدينة.
وعلى هذا الأساس ـ أيضاً ـ لا يمكن ـ في تقسيم الآيات
إلى مكّية ومدنية ـ إلاّ أنّ نعد هذه الآية (85)
مكّية!.. أجلْ.. هذه السورة نزلت في مكّة... وفي ظروف كان
المؤمنون في قبضة الأعداء الأقوياء وبين مخالبهم.. الأعداء الذين كانوا أكثر
عدداً وأشدّ قدرةً وقوّةً ونفيراً..
فهؤلاء الأقلية من المؤمنين والمسلمين كانوا يرزحون تحت وطأة هذا التصور بحيث كان جماعة من المسلمين قلقين على مستقبل الإسلام
وخائفين من أجله. وبما أنّ هذه الحالة كانت كثيرة الشبه بالحالة التي كان
عليها بنو إسرائيل وهم بين مخالب الفراعنة، فإنّ
قسماً من محتوى هذه السورة يتحدث عن قصّة بني إسرائيل وموسى(عليه
السلام) والفراعنة.. ولعل هذا القسم يستوعب نصف هذه السورة تقريباً..
خاصة أنّها تتحدث عن فترة كان موسى طفلا ضعيفاً رضيعاً
في قبضة الفراعنة... ولكنّ تلك القدرة التي تستوعب عالم الوجود كلّه ـ
ولا تقف أية قوّة أمامها ـ تكفلت هذا الطفل الضعيف ورعته وهو في أحضان أعدائه
الأقوياء، حتى منحته قدرة وقوّة قصوى قهرت سلطان الفراعنة ونكّست تيجانهم وقلبت قصورهم!!.
هكذا تتحدث هذه السورة ليطمئن المسلمون إلى لطف الله
وقدرته، ولا يرهبوا كثرة الأعداء وقوّتهم، ولا يخافوا من الطريق ذاته!..
أجل.. القسم الأوّل من هذه السورة يتضمن هذا التاريخ المليء بالدروس والعبر ويبشر المستضعفين في
بداية السورة بحكومة الحق والعدل لهم وكسر شوكة الظالمين، بشرى تمنحهم
الإطمئنان والقدرة.
تتحدث هذه السورة عن أن بني إسرائيل كانوا
مصفدين بأغلال أعدائهم ما داموا بعيدين عن خيمة الإيمان والتوحيد، وفاقدين لأي
نوع من أنواع الحركة والنهوض والسعي الذي يتحدَّون به أعداءهم، لكن ما إن وجدوا قائدهم ونوّروا قلوبهم بنور العلم والتوحيد
حتى أغاروا على الفراعنة وسيطروا على الحكم وحرروا أنفسهم من نير الفراعنة. و«القسم الآخر» من هذه السورة يتحدّث عن «قارون»، ذلك الرجل المستكبر
الثري الذي كان يعتمد على علمه وثروته... حتى
لقي أثر غروره ما لقيه فرعون من مصير أسود!
احدهما غريق في الماء والآخر دفين في الأرض.. وذلك معتمد على سلطانه وجيشه في حكمه،
وهذا معتمد على ماله وثروته! ليتّضح أنّه لا
يمكن لتجار مكّة وأثريائهم ولا لأقويائهم من المشركين، ولا سياسييّهم في ذلك
المحيط، أن يقاوموا إرادة الله في انتصار المستضعفين
على المستكبرين.
وهذا القسم جاء في أواخر السورة.
وبين هذين القسمين دروس حيّة وقيّمة من التوحيد
والمعاد وأهمية القرآن، وبيان حال المشركين في يوم القيامة، ومسألة الهداية
والضلالة، والإجابة على حجج الأفراد الضعاف، وهي في
الحقيقة «نتيجة» الأوّل و«مقدمة» للقسم الثاني.
محتوى
سورة القصص:
المعروف أنّ هذه السورة نزلت بمكّة، وبإمكاننا ملاحظة أنّ محتواها الكلي وخطوطها
العامّة الأساسيّة على شاكلة السور المكّية . يراجع
في هذا الشأن «تاريخ القرآن» لأبي عبدالله الزنجاني
و«الفهرست» لابن النديم، وكتب التّفسير الأخرى.. غير أن بعض المفسّرين استثنوا الآية 85، أو الآيات
51 ـ 55 من هذه السورة معتقدين أن الآية الأُولى
«85» نزلت بالجحفة ـ وهي منطقة بين مكّة
والمدينة ـ وأمّا الآيات الاربع الأُخرى
فيقولون: إنّها نزلت بالمدينة. ولا يوجد دليل واضح على كلامهم.. ولعل محتوى الآيات الخمس التي تتحدث عن أهل
الكتاب. (وكان أكثر أهل الكتاب يقطنون في المدينة).
كان سبباً لمثل هذا التصور. في حين أن نزول الآيات القرآنية في مكّة لا يعني
إنّها لابدّ أن تتحدث عن المشركين في مكّة فحسب، وخاصّة أن أهالي مكّة والمدنيّة
كانت لهم رحلات متقابلة وعلاقات وروابط قبلية وتجارية. وبالطبع فإن المفسّرين ذكروا سبباً آخرلنزول الآيات
52 ـ 55 يتناسب مع كونها مدينة، وسنتحدث;
عن ذلك في محله إن شاء الله.. أمّا الآية (85) التي تتحدث عن عودة النّبي إلى موطنه الأصلي، أي «مكّة» فلا مانع من أن تكون نزلت حين خروجه وهجرته
من مكّة على مقربة من هذه الأرض المقدسة... لأنّ النبي كان في غاية الشوق
والحنين لمكّة بلد الله الحرام الآمن، والله سبحانه يبشره في هذه الآية بأنّه
سيردّه إلى معاده «مكّة المكرمة».
فعلى هذا
الأساس يمكن أن تكون هذه الآية ـ المشار إليها آنفاً ـ
مكيّة، ولو فرضنا أنّها نزلت «بالجحفة» فهي إلى مكّة أقرب منها إلى المدينة.
وعلى هذا الأساس ـ أيضاً ـ لا يمكن ـ في تقسيم الآيات
إلى مكّية ومدنية ـ إلاّ أنّ نعد هذه الآية (85)
مكّية!.. أجلْ.. هذه السورة نزلت في مكّة... وفي ظروف كان
المؤمنون في قبضة الأعداء الأقوياء وبين مخالبهم.. الأعداء الذين كانوا أكثر
عدداً وأشدّ قدرةً وقوّةً ونفيراً..
فهؤلاء الأقلية من المؤمنين والمسلمين كانوا يرزحون تحت وطأة هذا التصور بحيث كان جماعة من المسلمين قلقين على مستقبل الإسلام
وخائفين من أجله. وبما أنّ هذه الحالة كانت كثيرة الشبه بالحالة التي كان
عليها بنو إسرائيل وهم بين مخالب الفراعنة، فإنّ
قسماً من محتوى هذه السورة يتحدث عن قصّة بني إسرائيل وموسى(عليه
السلام) والفراعنة.. ولعل هذا القسم يستوعب نصف هذه السورة تقريباً..
خاصة أنّها تتحدث عن فترة كان موسى طفلا ضعيفاً رضيعاً
في قبضة الفراعنة... ولكنّ تلك القدرة التي تستوعب عالم الوجود كلّه ـ
ولا تقف أية قوّة أمامها ـ تكفلت هذا الطفل الضعيف ورعته وهو في أحضان أعدائه
الأقوياء، حتى منحته قدرة وقوّة قصوى قهرت سلطان الفراعنة ونكّست تيجانهم وقلبت قصورهم!!.
هكذا تتحدث هذه السورة ليطمئن المسلمون إلى لطف الله
وقدرته، ولا يرهبوا كثرة الأعداء وقوّتهم، ولا يخافوا من الطريق ذاته!..
أجل.. القسم الأوّل من هذه السورة يتضمن هذا التاريخ المليء بالدروس والعبر ويبشر المستضعفين في
بداية السورة بحكومة الحق والعدل لهم وكسر شوكة الظالمين، بشرى تمنحهم
الإطمئنان والقدرة.
تتحدث هذه السورة عن أن بني إسرائيل كانوا
مصفدين بأغلال أعدائهم ما داموا بعيدين عن خيمة الإيمان والتوحيد، وفاقدين لأي
نوع من أنواع الحركة والنهوض والسعي الذي يتحدَّون به أعداءهم، لكن ما إن وجدوا قائدهم ونوّروا قلوبهم بنور العلم والتوحيد
حتى أغاروا على الفراعنة وسيطروا على الحكم وحرروا أنفسهم من نير الفراعنة. و«القسم الآخر» من هذه السورة يتحدّث عن «قارون»، ذلك الرجل المستكبر
الثري الذي كان يعتمد على علمه وثروته... حتى
لقي أثر غروره ما لقيه فرعون من مصير أسود!
احدهما غريق في الماء والآخر دفين في الأرض.. وذلك معتمد على سلطانه وجيشه في حكمه،
وهذا معتمد على ماله وثروته! ليتّضح أنّه لا
يمكن لتجار مكّة وأثريائهم ولا لأقويائهم من المشركين، ولا سياسييّهم في ذلك
المحيط، أن يقاوموا إرادة الله في انتصار المستضعفين
على المستكبرين.
وهذا القسم جاء في أواخر السورة.
وبين هذين القسمين دروس حيّة وقيّمة من التوحيد
والمعاد وأهمية القرآن، وبيان حال المشركين في يوم القيامة، ومسألة الهداية
والضلالة، والإجابة على حجج الأفراد الضعاف، وهي في
الحقيقة «نتيجة» الأوّل و«مقدمة» للقسم الثاني.