- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
اعلام الهداية
الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
|
|
أعلام
الهداية |
|
أهل البيت في القرآن الكريم ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) |
|
أهل البيت في السنّة النبويّة |
|
فهرس إجمالي
|
|
الباب الأول : |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ، ثم الصلاة والسلام على مَن اختارهم هداةً
لعباده ، لا سيّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء . ( قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى ) (
الأنعام (6) : 71 ) . 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمَن أُرسلوا إليه ، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في ( الاستيعاب والإحاطة اللازمة ) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها ، و( العصمة ) عن الخطأ والانحراف معاً ، قال تعالى : ( كان الناسُ أُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين
ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) (
البقرة (2) : 213 ) . وقد
خطا الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة ،
وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات
الثورية ، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين
من الزمن ما يلي : ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري : ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه
السلام) سادس أئمة أهل البيت (ع) الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهو المعصوم الثامن من أعلام الهداية
الربّانية في دين الإسلام . وكل مذاهب المسلمين مَدينة إلى علمه وفقهه ، كما أنّ
الحضارة الإنسانية في عصرنا هذا ترى نفسها مستظلة بظلال علومه ومعارفه . |
|
الباب الأول :
|
|
فيه فصول : الفصل الأول : الإمام الصادق (عليه السلام) في سطور . |
|
الفصل الأول : الإمام الصادق
(عليه السلام) في سطور
|
|
الإمام
جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) سادس الأئمة الأطهار من أهل البيت المعصومين
الذين نص الرسول (صلّى الله عليه وآله) على خلافتهم من بعده . |
|
الفصل الثاني : انطباعات عن شخصية
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
أشاد الإمام الباقر (ع) أمام أعلام شيعته بفضل ولده
الصادق (ع) قائلاً : هذا خير البريّة (الكافي : 1 / 307 .) . |
|
الفصل الثالث : مظاهر من شخصية
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
سعة علمه :
|
لقد شقّق الإمام الصادق (عليه السلام) العلوم بفكره
الثاقب وبصره الدقيق ؛ حتَّى ملأ الدنيا بعلومه ، وهو القائل : ( سلوني قبل أن تفقدوني فإنّه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل
حديثي ) (تأريخ
الإسلام للذهبي : 6/45 ، تذكرة الحفّاظ : 1/157 ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال
: 5/79 .) . ولم يقل أحد هذه الكلمة
سوى جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) . |
|
كرمه وجوده :
|
|
لقد
كان الإمام الصادق (عليه السلام) من أندى الناس كفّاً ، وكان يجود بما عنده
لإنعاش الفقراء والمحرومين ، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من كرمه ، كان من بينها ما يلي : ألبسك الله منه عافية = في نومك المعتري وفي أرقك يخرج من جسمك السقام = كما أخرج ذلّ السؤال من عنقك وعرف الإمام حاجته فقال لغلامه : أي شيء معك ؟ فقال : أربعمائة . فأمره بإعطائها له (أمالي الطوسي : 1/287 ،
مناقب آل أبي طالب : 4/296 .) . |
|
|
صدقاته في السر :
|
|
أمّا الصدقات في السر فإنّها من أفضل الأعمال
وأحبّها لله ؛ لأنّها من الأعمال الخالصة التي لا يشوبها أي غرض من أغراض الدنيا
، وقد ندب إليها أئمة أهل البيت (ع) ، كما أنّها
كانت منهجاً لهم ، فكل واحد منهم كان يعول جماعة من الفقراء وهم لا يعرفونه .
وكان الإمام الصادق يقوم في غلس الليل البهيم فيأخذ جراباً فيه الخبز واللحم
والدراهم فيحمله على عاتقه ويذهب به إلى أهل الحاجة من فقراء المدينة فيقسمه
فيهم ، وهم لا يعرفونه ، وما عرفوه حتَّى مضى إلى الله تعالى فافتقدوا تلك
الصلات فعلموا أنّها منه (الإمام جعفر الصادق : 47 .)
. |
|
تكريمه للضيوف :
|
|
ومن بوادر كرمه وسخائه حبّه للضيوف وتكريمه لهم ،
وقد كان يشرف على خدمة ضيوفه بنفسه ، كما كان يأتيهم بأشهى الطعام وألذّه ،
وأوفره ، ويكرّر عليهم القول وقت الأكل : ( أشدّكم
حبّاً لنا أكثركم أكلاً عندنا ... ) . |
|
تواضعه :
|
|
ومن مظاهر شخصيته العظيمة نكرانه للذات وحبّه
للتواضع وهو سيد المسلمين ، وإمام الملايين ، وكان من تواضعه أنّه كان يجلس على
الحصير (النجوم
الزاهرة : 5/176 .) ، ويرفض الجلوس
على الفرش الفاخرة ، وكان ينكر ويشجب المتكبّرين وحتّى قال ذات مرة لرجل من إحدى
القبائل : ( مَن سيد هذه القبيلة ؟ فبادر
الرجل قائلاً : أنا ، فأنكر الإمام (ع) ذلك ،
وقال له : لو كنت سيدهم ما قلت : أنا . . ) (الطبقات الكبرى : 1/32 .) . |
|
سمو أخلاقه :
|
|
كان الإمام الصادق (عليه السلام) على جانب كبير من
سمو الأخلاق ، فقد ملك القلوب ، وجذب العواطف بهذه الظاهرة الكريمة التي كانت
امتداداً لأخلاق جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي سما على سائر
النبيين بمعالي أخلاقه . |
|
صبره :
|
|
ومن الصفات البارزة في الإمام (عليه السلام) الصبر
وعدم الجزع على ما كان يلاقيه من عظيم المحن والخطوب ، ومن مظاهر صبره أنّه لمّا
توفّي ولده إسماعيل الذي كان ملأ العين في أدبه وعلمه وفضله دعا (عليه السلام)
جمعاً من أصحابه فقدّم لهم مائدة جعل فيها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ، ولمّا
فرغوا من تناول الطعام سأله بعض أصحابه ، فقال له : يا سيدي لا أرى عليك أثراً
من آثار الحزن على ولدك ؟ فأجابه (عليه السلام) : (
وما لي لا أكون كما ترون ، وقد جاء في خبر أصدق الصادقين ـ يعني جدّه
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ إلى أصحابه
إنّي ميت وإيّاكم ) (الإمام جعفر الصادق : 49 .)
. |
|
إقباله على العبادة :
|
أمّا
الإقبال على عبادة الله تعالى وطاعته فإنّه من أبرز صفات الإمام ، فقد كان من
أعبد الناس لله في عصره ، وقد أخلص في طاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص ، وإليك صورة موجزة عن عباداته : إنّ
الصلاة من أفضل العبادات وأهمّها في الإسلام ، وقد أشاد بها الإمام الصادق (ع)
في كثير من أحاديثه : إنّ
الصوم من العبادات المهمّة في الإسلام ؛ وذلك لما يترتّب عليه من الفوائد
الاجتماعية والصحية والأخلاقية ، ( وهو جُنّة من النار ) كما قال الإمام الصادق
(عليه السلام) (وسائل
الشيعة : 3 / 290 .) . أمّا الحج فهو بالإضافة إلى قدسيّته فإنّه من أهم
المؤتمرات السياسية التي تعقد في العالم الإسلامي ، حيث تعرض فيه أهم المشاكل التي
تواجه المسلمين سواء أكانت من الناحية الاقتصادية أم الاجتماعية أو المشاكل
السياسية الداخلية والخارجية ، مضافاً إلى أنّه من أهم الروابط التي يعرف بها
المسلمون بعضهم بعضاً . |
|
الباب الثاني :
|
|
فيه فصول : الفصل الأوّل : نشأة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) . |
|
الفصل الأوّل : نشأة الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام)
|
|
|
الأسرة الكريمة :
|
|
إنّ أسرة الإمام الصادق (عليه السلام) ، هي أجل
وأسمى أسرة في دنيا العرب والإسلام ؛ فإنّها تلك الأسرة التي أنجبت خاتم النبيين
وسيد المرسلين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وأنجبت أيضاً عظماء الأئمة
وأعلام العلماء ، وهي على امتداد التأريخ لا تزال مهوى أفئدة المسلمين ، ومهبط
الوحي والإلهام . |
|
الأب الكريم :
|
|
هو الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) سيد
الناس لا في عصره ، وإنّما في جميع العصور على امتداد التأريخ علماً وفضلاً
وتقوى ، ولم يظهر من أحد في ولد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) مَن علم
الدين والسنن وعلم القرآن والسير ، وفنون الأدب والبلاغة مثل ما ظهر منه (الفصول المهمّة : 192 .) . |
|
الأُم الزكيّة :
|
|
هي السيدة المهذّبة الزكية ( أم فروة ) بنت الفقيه
القاسم (أصول
الكافي 1/472 ، وتاريخ أهل البيت 122 ، والإرشاد 2/180 ،وتذكرة الخواص : 306
و307 .) بن محمّد بن أبي بكر (القاسم بن محمد بن أبي
بكر كان من الفقهاء الأجلاّء ، وكان عمر بن عبد العزيز يجله كثيراً وقد قال : لو
كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم بن محمّد الخلافة ، وقد عمّر طويلاً وذهب بصره
في آخر عمره ، ولمّا احتضر قال لابنه : سن عليّ التراب سناً ـ أي ضعه عليّ سهلاً
ـ وسوّي على قبري ، والحق بأهلك ، وإيّاك أن تقول : كان أبي ، وكانت وفاته بمكان
يقال له قديد ، وهو اسم موضع يقع ما بين مكة والمدينة ، راجع ترجمته في صفة
الصفوة : 2/49 ـ 50 والمعارف : 54 ، ومعجم البلدان : 7 / 38 ، ووفيات الأعيان :
3 / 224 .) وكانت من سيدات النساء
عفّةً وشرفاً وفضلاً ، فقد تربّت في بيت أبيها وهو من الفضلاء اللامعين في عصره
، كما تلقّت الفقه والمعارف الإسلامية من زوجها الإمام الأعظم محمّد الباقر
(عليه السلام) ، وكانت على جانب كبير من الفضل ، حتى أصبحت مرجعاً للسيدات من
نساء بلدها وغيره في مهام أمورهن الدينية ، وحسبها فخراً وشرفاً أنّها صارت
أُمّاً لأعظم إمام من أئمة المسلمين ، وكانت تعامل في بيتها بإجلال واحترام من
قِبل زوجها ، وباقي أفراد العائلة النبوية . |
|
ولادة النور :
|
|
ولم تمضِ فترة طويلة من زواج السيدة ( أم فروة ) بالإمام محمّد الباقر (ع) حتَّى حملت ، وعمّت البشرى
أفراد الأسرة العلوية ، وتطلّعوا إلى المولود العظيم تطلّعهم لمشرق الشمس ،
ولمّا أشرقت الأرض بولادة المولود المبارك سارعت القابلة لتزف البشرى إلى أبيه
فلم تجده في البيت ، وإنّما وجدت جدّه الإمام زين العابدين (ع) ، فهنّأته
بالمولود الجديد ، وغمرت الإمام موجات من الفرح والسرور ؛ لأنّه علم أنّ هذا
الوليد سيجدّد معالم الدين ، ويحيي سنّة جدّه سيّد المرسلين (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) وأخبرته القابلة بأنّ له عينين زرقاوين جميلتين ، فتبسّم الإمام (ع)
وقال : إنّه يشبه عيني والدتي (الإمام الصادق كما عرفه
علماء الغرب : 72 .) . |
|
تاريخ ولادته :
|
|
اختلف المؤرّخون في السنة التي وُلد فيها الإمام
الصادق (عليه السلام) فمن قائل إنّه وُلد بالمدينة المنوّرة سنة ( 80 هـ ) (تأريخ ابن الوردي :
1/266 ، الإتحاف بحب الإشراف : 54 ، سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : 34
، ينابيع المودة : 457 ، تذكرة الحفاظ : 1/157 ، نور الأبصار للشبلنجي : 132 ،
وفيات الأعيان : 1/191 .) . |
|
تسميته وألقابه :
|
|
أمّا اسمه الشريف فهو ( جعفر )
ونصّ كثير من المؤرّخين على أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي
سمّاه بهذا الاسم ، ولقّبه بالصادق . |
|
معرفته بجميع اللغات
:
|
|
وكان في سنّه المبكّر عارفاً بجميع لغات العالم إذ
كان يتكلّم مع كل أهل لغة كأنّه واحد منهم . وإليك نماذج تشير إلى ذلك : 2 ـ روى عامر بن علي الجامعي ، قال :
قلت لأبي عبد الله (ع) : جُعلت فداك ، إنّا نأكل كل ذبائح أهل الكتاب ، ولا ندري
أيسمّون عليها أم لا ؟ فقال (ع) : إذا سمعتموهم قد سمّوا فكلوا ، أتدري ما
يقولون على ذبائحهم ؟ |
|
هيبته ووقاره :
|
|
كانت الوجوه تعنو لهيبة الإمام الصادق (عليه
السلام) ووقاره ، فقد حاكى هيبة الأنبياء ، وجلالة الأوصياء ، وما رآه أحد إلاَّ
هابه إذ كانت تعلوه روحانية الإمامة ، وقداسة الأولياء . وكان ابن مسكان وهو من
خيار الشيعة وثقاتها لا يدخل عليه شفقة أن لا يوافيه حق إجلاله وتعظيمه ، فكان
يسمع ما يحتاج إليه مراحل حياة الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) من أمور دينه من
أصحابه ، ويأبى أن يدخل عليه (الاختصاص : 203 .)
. |
|
الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام
الصادق (عليه السلام)
|
|
ولد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه
السلام) في مرحلة ازدهار الدولة الأموية حين ابتعد الخلفاء
كثيراً عن طريق الحق وترسّخت صيغة الملك المتوارث . وتمكّن الإمام الصادق (ع) في هذه
الفترة من المعترك السياسي المرير أن يحافظ على كيان المذهب الشيعي واستمرار
سلامة الجماعة الصالحة وتنميتها ، تلك الجماعة التي عمل على بنائها وتوسعتها
آباؤه الطاهرون . |
|
المرحلة الأولى :
حياته مع جدّه وأبيه ( من سنة 83 إلى سنة 95 هـ ) .
|
|
المرحلة الثانية :
|
|
حياته مع أبيه الباقر (عليه السلام) (من سنة 95 إلى سنة 114 هـ ) . |
|
الفصل الثالث : الإمام الصادق في
ظل جدّه وأبيه (عليهم السلام)
|
|
ملامح عصر الإمام زين
العابدين ومواقفه
|
|
لقد
واجه الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعد
استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام) ما يلي : |
|
ملامح عصر الإمام
محمد الباقر (عليه السلام)
|
|
استشهد الإمام زين العابدين (عليه
السلام) سنة ( 95 هـ ) في أيام حكم الوليد
ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مسؤولية
الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه
صندوقاً فيه سلاح رسول الله (عليه السلام) وقال له : (
يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قال (عليه السلام) : أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (بصائر الدرجات 4/44 و48
، وأصول الكافي 1/305 وعنهما في بحار الأنوار : 46/229 .) . كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ
الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية . |
|
متطلّبات عصر الإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
ونلخّص دور الإمام الباقر(عليه السلام)
في ثلاثة خطوط أساسية : |
|
1 ـ الخط السياسي للإمام الباقر (عليه
السلام)
|
|
لقد كان الخيار السياسي للإمام
الباقر (ع) في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع
الأمويين . وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة
الأمة ومستوى وعيها آنذاك : ( إنْ دَعَوْناهم لم
يستجيبوا لنا ) (الإرشاد ، للشيخ المفيد : 284 .) .
|
|
2 ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة
|
|
لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر
الإمام الباقر (عليه السلام) فقد باشرها الرسول (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) ثم لإمام علي (عليه
السلام) ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك
الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل
بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام علي
(عليه السلام) مع مناوئيه . |
|
3 ـ تأسيس جامعة أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى
لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر
ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً
مناسباً لبثّ أفكارها . |
|
الباب الثالث :
|
|
وفيه فصول : الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادق (عليه السلام) . الفصل الثاني : دور الإمام (عليه السلام) في تثبيت معالم الرسالة
. الفصل الثالث : دور الإمام (عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة
.
|
|
الفصل الأول : ملامح عصر الإمام
الصادق (عليه السلام) (114 ـ 132 هـ)
|
|
تصدّى الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)
لموقع الإمامة بعد أبيه محمد الباقر (ع) سنة ( 114 هـ )
؛ فكان مرجعاً في الدين والسياسة والفكر والثقافة للمسلمين عامة ،
ولأتباع أهل البيت (ع) بشكل خاص . قال الإمام
الصادق (ع) : لمّا حضرت أبي الوفاة قال : يا جعفر
أوصيك بأصحابي خيراً . قلت : ( جعلت فداك والله لأدعنّهم والرجل منهم يكون في
مصر فلا يسأل أحداً ) (الإرشاد : 1 / 40 ، وبحار الأنوار : 47 / 12 .) . |
|
1 ـ الوضع السياسي
|
|
لم يكن الوضع السياسي الذي يريد أن يتحرّك في وسطه
الإمام الصادق (ع) قد تبدّل ؛ فهشام بن عبد الملك الذي أقدم على اغتيال الإمام
الباقر (ع) لازال هو الحاكم ، وسياسته مع الإمام الباقر (ع) وشيعته هي السياسة
نفسها ، وهي سياسة قائمة على أساس الحقد الجاهلي وتتلخّص في التشريد والاضطهاد . |
|
زيد يعلن الثورة
|
|
وجمع زيد بن علي الأنصار والدعاة فأعلن
ثورته والتحق به عدد غفير . |
|
موقف الإمام الصادق
(عليه السلام) من ثورة زيد
|
|
يقول مهزم الأسدي دخلت على الإمام الصادق (عليه
السلام) فقال : يا مهزم ما فعل زيد ؟ قال :
قلت : صلب ، قال : أين ؟ قلت : في كناسة بني
أسد . قال : أنت رأيته مصلوباً في كناسة بني أسد ؟
قال : قلت : نعم ، فبكى حتَّى بكت النساء خلف الستور (أمالي الطوسي : 2/284 .)
. |
|
الإمام (عليه السلام)
وهشام بن عبد الملك
|
|
في هذا الجو المشحون بتزاحم الإرادات وحدوث تمرّد
على الحكومة هنا وهناك ، خصوصاً بعد ثورة زيد (رحمه الله) والإمام الصادق (عليه
السلام) مشغول بترتيب أوضاعه الرساليّة ، والتهم تثار ضدّ الشيعة تارةً بالخروج
على السلطان ، وأخرى بالزندقة وجواز سبّ الخلفاء ، يدخل هشام إلى المدينة
ويستقبله بنو العباس بالشكوى على الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّه أخذ تركات
ماهر الخصي دوننا . هنا يخطب أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) فيقول : كان أبوكم طليقنا وعتيقنا وأسلم كارهاً تحت سيوفنا ، لم
يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط فقطع الله ولايته منّا بقوله : ( والَّذين آمنوا ولم |
|
يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء ) (الأنفال : 8 / 72 .) ثم قال : هذا مولى
لنا مات فحزنا تراثه ، إذ كان مولانا ، ولأنّا ولد رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) وأُمّنا فاطمة أحرزت ميراثه (المناقب لأبن شهر آشوب : 1/321 ، وبحار الأنوار : 47/176 ح22
.) . أتوعد
كلّ جبارٍ عنيد = فها أنا ذاك جبّار عنيد إذا
ما جئت ربّك يوم حشر = فقل يا ربّ مزّقني الوليد (مروج الذهب : 3/216 .) وقد تمادى في الغيّ حتّى قال له هشام : ويحك والله
ما أدري أعلى دين الإسلام أنتَ أم لا ؟! |
|
بداية الانفلات
|
|
لم تكن هذه اللحظات التأريخية من حياة الأمة التي
بدأت فيها بالمطالبة بإزاحة بني أمية من مركز الحكم لتتحقّق بشكل عفوي ، وإنّما
جاءت نتيجةً لفعاليات ثوريّة بدأت من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ،
واستمرّت حتَّى ثورة زيد التي أطاحت بهيبة هشام بن عبد الملك الأموي وطغيانه . |
|
الإمام الصادق (عليه
السلام) يشيد بثورة عمّه زيد
|
|
كانت السلطة الحاكمة عندما تريد الانتقام من خصومها
تلقي عليهم تهماً مستهجنة في نظر عامة الناس ، مثل شق عصا المسلمين ، وتهمة
الزندقة ؛ لتكون مسوّغاً لاستباحة دمائهم وتحشيد البسطاء من الناس عليهم . |
|
مقتل يحيى بن زيد
|
|
وفي أيام الوليد بن يزيد قُتل يحيى بن زيد أيضاً ،
وذلك أنّ يحيى خرج من الكوفة بعد مقتل أبيه وتوجّه إلى خراسان ، فسار إلى الري ،
ومنها أتى سرخس ، ثم خرج ونزل بلخ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني ولم يزل
عنده حتّى هلك هشام وولي الوليد (زيد بن علي ، للسيد عبد الرزاق المقرم : 176 .) . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) إزاء الأحداث السياسية
|
|
ويمكن تلخيص الموقف السياسي الذي خطّه الإمام (عليه
السلام) إزاء الأحداث ، وإزاء العروض التي تقدّمت بها جماعات موالية وأخرى متعاطفة
في نقطتين : |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من العروض التي قُدّمت له
|
|
العرض الأوّل :
روي عن عبد الحميد بن أبي الديلم أنّه قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)
فأتاه كتاب عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم ، وكتاب الفيض بن المختار وسليمان
بن خالد يخبرونه أنّ الكوفة شاغرة (شاغرة : شغر البلد شغوراً : إذا خلى من حافظ يمنعه .) برجلها وأنّه إن أمَرَهُم أن يأخذوها أخذوها .
فلمّا قرأ (عليه السلام) كتابهم رمى به ، ثمّ قال : ما
أنا لهؤلاء بإمام ، أما علموا أنّ صاحبهم السفياني ؟ (اختيار معرفة الرجال : 2
/ 641 / ح662 ، بحار الأنوار : 47 / 351 .)
. |
|
الإمام (عليه السلام)
يحذّر الشيعة من المواقف الانفعالية
|
|
ولإيضاح هذه النقطة نطالع بعض النماذج
التالية : |
|
2 ـ الوضع الفكري
|
|
إنّ الظواهر الفكرية والعقائدية السائدة في عصر
الإمام الصادق (عليه السلام) ـ مثل : الزندقة ، الغلّو ، والاعتزال ، والجبر ،
والرأي ، وما نتج عنها من ظهور صيغ جديدة لفهم الرسالة في مجال الفقه وتفسير
الحديث والقرآن الكريم ـ لم تكن وليدة الظرف الّذي عاصره الإمام ولم تأتي
بالمصادفة ، وإنّما يعود وجودها إلى ذلك المنهج الّذي خطّه الأمويون ومَن سبقهم
من الخلفاء الذين اجتنبوا منهج أهل البيت (عليهم السلام) وسلكوا طريقاً آخر طيلة
عشرة عقود أو أكثر ، فعكس للأجيال صورة مزيّفة عن الدين لا يتجاوز كونه أداة
موجهة بيد الحكّام يحمون به سلطانهم ويوظّفونه حسب ما تتطلّبه سياستهم ، ضد
المستضعفين حين أصبح المسلم آنذاك لا يرى إلاّ الصورة المقيتة عن الدين ؛ ولهذا
كانت الزندقة ردّة فعل لهذا الانحراف بعد تلاعب الحكّام بالدين ، وقد لقيت رواجاً
في هذا الوسط الديني المضطرب والمليء بالمفاهيم الخاطئة . |
|
تحريف مصادر التشريع والتاريخ :
|
|
أ ـ التحريف في مجال
تفسير القرآن الكريم
|
|
كان التعامل مع النص القرآني وتفسيره يعتمد الرأي
أو الروايات الإسرائيلية ، ويوظّف لصالح سياسة الخليفة ، ومن الأمثلة على ذلك : |
|
ب ـ التحريف في مجال
الحديث النبوي الشريف :
|
|
1 ـ جاء في صحيح الترمذي عن النبي (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال لمعاوية : اللّهمّ اجعله هادياً مهدياً وأهد به (صحيح الترمذي : 5 / 687
، باب مناقب معاوية .) . |
|
الاتجاهات الفكرية المنحرفة
|
|
1 ـ الجبر
|
|
1 ـ الجبر : عندما دعت الحاجة لصياغة علم
الكلام والفقه والتفسير رجع المنظّرون لهذه الأفكار إلى التراث الحديثي الذي قد
يبدو منه الجبر من قِبل الله للعباد فاستخدموه لخدمة الأمويين تثبيتاً لدعائم
سلطانهم فروّجوا عقيدة أنّ الجبر التي تعني نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى
الربّ تعالى ، فكل ما يصدر من العبد من خير أو شر ينسب إلى الله سبحانه ،
ويقولون إنّه ليس لنا صُنع ، أي لسنا مخيّرين بل نسير بإرادة الله ومشيئته فإذا
شاء الله أن نصلّي صلّينا وإذا شاء أن نشرب الخمر شربناها . واستدلوا على ذلك
بآيات قرآنية منها قوله تعالى : ( وما تشاؤون إلاّ أن
يشاء الله ) (الإنسان : 76 / 30 .)
. وقوله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ
يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) (الأنعام : 6 / 125 .)
ومن الواضح أنّ المعتنق لهذه العقيدة يسمح لنفسه بارتكاب كل جريمة ومعصية من ترك
الواجبات وانتهاك المحرّمات مثل شرب الخمر وارتكاب الزنا والسرقة والقتل ثم يقول
شاء الله أن أسرق فسرقت ، وشاء الله أن أزني فزنيت ؛ وبهذا لا يكون للإنسان كسب
ولا إرادة ولا اختيار ولا تصرّف فيما وهبه الله من نعمة العقل ، فكيف يكون له
مطمع في ثواب أو خوف من عقاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 122 .) . |
|
2 ـ الزندقة :
|
|
2 ـ الزندقة : ومن الأفكار التي ظهرت في
عصر الإمام الصادق (عليه السلام) فكرة الإلحاد والزندقة ، ولا يستغرب أحد من
نشوء هذه الفكرة المنحرفة في العالم الإسلامي وهو عالم التوحيد الخالص وإبّان
قوته وفي وقت تتطلع سائر الأمم للرسالة الإسلامية الخاتمة . |
|
3 ـ الاعتزال : |
|
الاعتزال :
لقد تطرّف الخوارج والمرجئة في حكم مرتكب الكبيرة ، بعد تعارض التراث الحديثي
والتفسيري مع العقل ، ثم عجزت الثقافة التي جمدت على ظواهر الحديث والقرآن من
الإجابة على الأسئلة التي فرضتها حالة الانفتاح على الحضارات الأخرى . ومن هنا
تبلورت أفكار المعتزلة تلبية لحاجة التطوّر المدني في البلاد الإسلامية وكثرة
الاستفهامات التي كانت تثيرها الحركات الإلحادية فظهرت في هذا العصر فكرة
الاعتزال التي رفضت الاعتماد على الحديث بشكل مطلق وهاجمت أهل الحديث لتعطيلهم العقل
، وتكفيرهم كل مَن يبحث ويناقش . |
|
الخط السياسي
للاعتزال :
|
|
كان الاعتزال مسانداً للحكم القائم في تلك العصور ،
وقد خدم سياسة الحكّام عندما أخذ يهاجم المقدسات في ضمير الأمة وتفكيرها ؛ وذلك
حين أقرّ المعتزلة بأنّ الإمامة والخلافة تتمّ للمفضول ويجوز تقديمه على الفاضل
، وبهذا استدلّوا على شرعيّة خلافة الأمويين والعباسيين . |
|
4 ـ حركة الغلاة
|
|
حركة الغلاة :
تعتبر حركة الغلاة في نظر المؤرّخين من أخطر الحركات هدماً وضرراً للمجتمع
الإسلامي آنذاك ؛ لأنّها حركة سياسية عقائدية قد استهدفت ضرب الإسلام من الداخل
، كما أنّ دراسة هذهِ الحركة من قِبل المؤرّخين لا زالت غامضة حتى اليوم ; إذ لم
تدوّن أفكار هذهِ الحركة بأقلام دعاتها . |
|
الفصل الثاني : متطلّبات عصر
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
بعد
الوقوف على مظاهر الفساد والانحراف التي عمّت ميادين الحياة في عصر الإمام
الصادق (عليه السلام) نستطيع أن ندرك عمق المأساة التي كان الإمام (عليه السلام)
قد واكبها منذُ نشأته حتى هذا التاريخ . |
|
الانفتاح على الاتجاهات الفكرية والسياسية
|
|
ويقع البحث في هذا الحقل ضمن عدّة محاور : |
|
1 ـ المحور العقائدي السياسي :
|
|
وفي هذا المحور ركّز الإمام على عدّة
نشاطات : وبادر عمرو فقال : أجعلها شورى بين المسلمين . |
|
2 ـ المحور الثقافي والفكري :
|
|
أ ـ مواجهة التيّارات الإلحادية : |
|
ومن الخطوات التي خطاها الإمام (عليه السلام) هي
مواجهة الأفكار الإلحادية ـ سابقة الذكر ـ حيث ناقشها بعدّة أساليب حتى استفرغ
محتواها ووقف أمام تحقيقها لأهدافها . |
|
ب
ـ مواجهة تيّار الغلوّ
|
|
لقد كان موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من تيّار
الغلوّ وحركة الغلاة حازماً وصارماً ، فقال لسدير : (
يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، برئ الله منهم
ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ودين آبائي ، والله لا يجمعني وإيّاهم يوم إلاّ وهو
عليهم ساخط ) (أصول الكافي : 1 / 269 .)
. وقال (عليه السلام) له : ( إذا قدمت الكوفة فأت بشار الشعيري وقل له : يقول لك جعفر بن محمد : يا
كافر يا فاسق أنا بريء منك . قال : مرازم فلمّا دخلت الكوفة قلت له :
يقول لك جعفر بن محمد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك . قال بشار : وقد
ذكرني سيدي ؟! قلت : نعم ذكرك بهذا . قال : جزاك الله خير ) (اختيار معرفة الرجال
للكشي : 398 ح 744 وعنه في الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2/375 .) . |
|
ج ـ طرح المنهج
الصحيح لفهم الشريعة :
|
|
إنّ
الإمام الصادق (ع) في الوقت الذي كان يواجه هذه
التيارات الإلحادية الخطيرة على الأمة كان مشغولاً
أيضاً بمواجهة التيّارات التي تتبنّى المناهج
الفقهية التي تتنافى مع روح التشريع الإسلامي ، والتي تكمن خطورتها في
كونها تعرّض الدين إلى المحق الداخلي والتغيير في محتواه ، من هنا كان الإمام (ع) ينهى أصحابه عن العمل بها حتّى قال لأبان :
( يا أبان ! إنّ السُنة إذا قيست محق الدين ) (بحار الأنوار : 104/405
عن المحاسن للبرقي .) . والتفت أبو حنيفة إلى الإمام (عليه السلام) قائلاً
: أخبرني عن الكلمة التي أوّلها كفر وآخرها إيمان ؟ تزعم أنّك تفتي بكتاب الله ، ولست ممّن
ورثه ، وتزعم أنّك صاحب قياس ، وأوّل مَن قاس إبليس لعنه الله ولم يُبنَ دينُ
الإسلام على القياس وتزعم أنّك صاحب رأي ، وكان الرأي من رسول الله (ص) صواباً
ومن دونه خطأ ؛ لأنّ الله تعالى قال : ( فاحكم بينهم بما أراك الله ) ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنّك صاحب حدود ، ومَن أُنزلت عليه
أولى بعلمها منك ، وتزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء ، وخاتم الأنبياء أعلم
بمباعثهم منك . |
|
د ـ مواجهة التحريف
والاستغلال السياسي للقرآن ومفاهيمه :
|
|
قام الإمام الصادق (عليه السلام) بحماية القرآن
وصيانته من عملية التوظيف السياسي ، التي تجعل النص القرآني خادماً لأغراض
سياسيّة مشبوهة ، تحاول إسباغ طابع شرعي على الحكم الظالم وشلّ روح الثورة
وإطفاء روح المقاومة في نفوس الأمة وبالتالي إسقاط شرعيّة القوى الرافضة لهذهِ
النظم الظالمة ؛ حتى قيل في تفسير قوله تعالى : (
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ
اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى
سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ
لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (البقرة (2) : 204 ـ 205 .)
. |
|
3 ـ المحور الروحي والأخلاقي
|
|
لاحظ
الإمام الصادق (ع) تأثير موجات الانحراف الفكري والسياسي على الأمة ومدى إفسادها
لعقول الناس ، وما لعبته سياسة الأمويين من خلق أجواء ملائمة لطغيان النزعات
الإلحادية والقبلية حتى عمّ الانفلات الأخلاقي ، كما كثر في زمانه (عليه السلام)
رفع شعار الورع والتقوى . كل ذلك أفقد الأمة قيمها وأبعدها عن الأخلاق التي أمر
بها الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأرادها لأُمّته . |
|
مواصلة بناء جامعة
أهل البيت الإسلامية
|
|
لقد واصل الإمام الصادق (عليه السلام) تطويره
للمدرسة التي أسّسها الأئمة (عليهم السلام) من قبله ، وانتقل بها إلى آفاق أرحب
فاستقطبت الجماهير من مختلف البلاد الإسلامية ؛ لأنّها قد لبّت الرغبة في نفوسهم
وسعت لملء الفراغ الذي كانت تعانيه الأمة آنذاك . |
|
خصائص جامعة أهل
البيت (عليهم السلام)
|
|
1 ـ من مميّزات مدرسة الإمام الصادق (ع) واختلافها عن باقي
المدارس أنّها لم تنغلق في المعرفة على خصوص العناصر
الموالية فحسب ، وإنّما انفتحت لتضمّ طلاّب العلم من مختلف الاتّجاهات ، فهذا
أبو حنيفة الذي كان يخالف منهج الإمام (ع) حيث
سلك في القياس مسلكاً استوجب شدّة الإنكار عليه وعلى أصحابه ، وهو الذي أطلق على
مؤمن الطاق اسم شيطان الطاق ، كان ممّن يختلف إلى الإمام الصادق ويسأله عن كثير
من المسائل وقد روى عن الإمام الصادق (ع) وحدّث عنه واتّصل به في المدينة مدّة
من الزمن ، وناصر زيد بن علي وساهم في الدعوة إلى الخروج معه ، وكان يقول : ضاها
خروج زيد خروج رسول الله (ص) يوم بدر (حياة الإمام محمد الباقر : 1 / 75 .) . |
|
التخصّص العلمي في
مدرسة الإمام (عليه السلام)
|
|
والتفت الإمام في تلك المرحلة لأهمّية الاختصاص
ودوره في إنماء الفكر الإسلامي وتطويره ، وقدرته في استيعاب الطاقات الكثيرة
الوافدة على مدرسته ، وبالتخصّص تتنوّع عطاءاته ، فيكون الإبداع أعمق نتاجاً
وأكثر احتواءً ؛ لذا وجّه الإمام (عليه السلام) طلاّبه نحو التخصّصات العلمية ،
وتصدّى بنفسه للإشراف ، فكان يعالج الإشكالات التي تستجد ، ويدفع مسيرة الحركة
العلمية إلى الأمام . ولا يمكن في هذا البحث أن نستوعب كل هذه التخصّصات وإنّما نقتصر على ذكر بعض النماذج فيما يأتي :
وبرز في المناظرة :
هشام بن الحكم ، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) مسروراً بمناظرات هشام وحين
استمع مناظراته مع زعيم المعتزلة ـ عمرو بن عبيد ـ وأخبره بانتصاره عليه قال له
الإمام (ع) : يا هشام مَن علّمك هذا ؟ قال :
يا بن رسول الله جرى على لساني قال الإمام (ع) : (
هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى ) (راجع الاحتجاج : 2 / 125 ـ 128 .) . |
|
الفصل الثالث : دور الإمام الصادق
(عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة
|
|
لقد تحدّثنا عن طبيعة الظروف السياسية وتناقضاتها
والمظاهر الحياتية المضطربة ، والدور التخريبي الذي لعبته التيارات الفكرية
والسياسية المنحرفة في ضمير الأمة وفكرها وثقافتها . وعلى رأس هذا المدّ المنحرف
كانت سياسة الأمويين الظالمة التي استمرّت لزمن طويل نسبياً . |
|
الهدف من إيجاد
الجماعة الصالحة
|
|
من هنا كان تحرّك الإمام نحو بناء الجماعة الصالحة
بهدف تغيير المجتمع الإسلامي وفق أطروحة أهل البيت (عليهم السلام) ; لأنّ وجود
مثل هذا التيّار المتماسك يوفّر جملة من المكاسب والمنافع والأهداف التي كان
يسعى الإمام (عليه السلام) لتحقيقها في حركته الرساليّة . |
|
1 ـ المحافظة على المجتمع الإسلامي
|
|
إنّ وجود هذا الخط في وسط الأمة سوف يوسّع من دائرة
الأفراد الصالحين والواعين وكلّما اتّسعت هذه الدائرة كان الإمام (ع) أكثر
اقتداراً على التغيير وإدارة العمل السياسي الذي يخوضه مع الحكّام . |
|
2 ـ الحفاظ على الشريعة الإسلامية
|
|
وقف الإمام الصادق (عليه السلام) ضدّ حملات التشويه
التي أرادت أن تعصف بالشريعة الإسلامية وتعرّضها للانحراف الذي أصاب الشرايع
الأخرى من خلال دخول أفكار غريبة عن الشريعة بين أتباعها ، واستخدام أدوات جديدة
لفهم الشريعة كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة . |
|
3 ـ المطالبة بالحكم الإسلامي
|
|
إنّ
القيادة السياسية حق مشروع للأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) وفق
النصوص الإسلامية الثابتة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) والتي تواترت عند
مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) . |
|
الدور الخاص للإمام الصادق (عليه السلام) في بناء الجماعة
الصالحة
|
|
أ : البناء الجهادي
|
|
لقد كان عطاء الثورة الحسينية كبيراً جدّاً حيث
أرجعت هذه الثورة الخالدة الأمة الإسلامية إلى مستوى التصدّي للثورة على الحكّام
المنحرفين ، واستطاعت الأمة المسلمة بفضل هذه الثورة المباركة أن تتجاوز الهالة
المزيّفة التي صنعها الأمويون لإضفاء طابع من الشرعية على سلطانهم ، وهذا الوعي
الثوري والعمل الجهادي الذي شكّلته الأمة خلال عدّة عقود قد يأخذ بالهبوط إذا لم
يقترن بعوامل البقاء والاستمرار والتكامل . |
|
ترسيخ مبادئ وأهداف
ومعالم الثورة الحسينية
|
|
لقد
ربط الإمام الصادق (ع) العواطف باتّجاه مبادئ الثورة الحسينية وأهدافها ليكون
الرفض ومقاومة الظلم مستنداً إلى الوعي الصحيح والتوجيه المنطقي ؛ لذا نجد
خطابات الإمام (ع) واهتماماته لم تقتصر على الإثارات الفكرية والتوجيهات الوعظية
نحو الثورة ، وإنّما استندت إلى أساليب تعبويّة وتحشيد
جماهيريّ يعبّر بممارسته وحضوره عن الانتماء لخط الحسين (عليه السلام) . اُمرُرْ على جَدَثِ الحُسَين = فَقُلْ لأعظُمه الزَكِيّه قال
: فبكى ثم قال : زِدني ، قال : فأنشدته
القصيدة الأخرى ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر . قال : فلمّا فرغت قال
لي : ( يا أبا هارون مَن أنشد في الحسين (عليه
السلام) شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين (عليه
السلام) شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين (عليه
السلام) شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت له الجنّة ) (كامل الزيارات لابن
قولويه : باب 33 /104 .) . |
|
ب : البناء الروحي
والإيماني
|
|
لقد تعرّض الواقع الإيماني والروحي في زمن الإمام
الصادق (عليه السلام) إلى الخواء والذبول وبروز الأنانية وفصل الإيمان عن
الأنشطة الحياتية الأخرى وإعطائه صورة مشوّهة ، وقد جاء ذلك بسبب عبث التيارات
الفكرية التي استندت إلى دعم السلاطين والتي كانت تؤمن هي الأخرى أيضاً بلزوم
طاعة الحاكم الأموي والعباسي ; تبريراً لدعمها للخط الحاكم . |
|
مظاهر عمق الإيمان
|
|
لقد أعطى الإمام (عليه السلام) للشيعة علائم
ومؤشّرات واضحة تكشف عن عمق التديّن وعن مدى صحّته وسلامته ، فإنّ الإيمان أمر
باطني ولكن له آثاره ومظاهره التي تكشف عنه . ولا معنى لإيمان بلا عطاء ولا ثبات
ولا قدرة على المواجهة . |
|
القدوة الحسنة
|
|
ومن الوسائل التي استخدمها الإمام (عليه السلام) في
منهجه التغييري وبنائه للمجمتع الفاضل هو اهتمامه وتركيزه على النموذج الشيعي
الذي يشكّل القدوة الحسنة في سلوكه ليكون عنصراً مؤثراً ومحفّزاً للخير ومشجّعاً
لنمو الفضيلة في داخل المجتمع . وقد بذل الإمام (عليه السلام) جهداً منقطع
النظير في تربيته وإعداده للنموذج القدوة وقد سلّحه بمختلف العلوم وأحاطه بجملة
من الوصايا والتوجيهات العلمية والأخلاقية . |
|
ج : البناء الاجتماعي
|
|
رسم الإمام الصادق (عليه
السلام) الخط العام للعلاقات الاجتماعية للجماعة الصالحة ، وبيّن نظامها
ووضع الأسس والقواعد المبدئية لهذا النظام ورسّخها في نفوسهم ؛ ليتمكّن الفرد
الصالح من العيش في المجتمع وفي الظروف الصعبة ، ويمتلك القدرة في مواجهة
المخططات التي تسعى لتفتيت مثل البناء الذي يهدف له الإمام وهو النظام الاجتماعي
الذي خطط له الإمام ، وأمدّه بعناصر البقاء والاستمرار ليمتدّ بجذوره في أوساط
الأمة |
|
الانفتاح على الأُمّة
|
|
لقد أكّد الإمام (عليه السلام) على محور مهمّ يمدّ
الجماعة الصالحة بالقدرة والانتشار هو محور الانفتاح على الأمة وعدم الانغلاق
على أنفسهم ، وقد حثّ الإمام شيعته على توسيع علاقاتهم مع الناس وشجّعهم على
الإكثار من الأصحاب والأصدقاء فقد جاء عنه (ع) : (
أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنّهم ينفعون في الدنيا والآخرة ، أمّا في الدنيا
فحوائج يقومون بها وأمّا في الآخرة فإنّ أهل جهنّم قالوا مالنا من شافعين ولا
صديق حميم ) (وسائل الشيعة : 7 / 407 .)
. |
|
تأكيد علاقة الأُخوّة
:
|
|
كان الإمام (ع) يعمّق ويجذّر علاقة الأُخوّة في
الله ، ويضع لها التوجيهات المناسبة التي تزيد في التلاحم والتفاهم ، فمنها ما
قاله (عليه السلام) لخيثمة : ( أبلغ موالينا السلام
وأوصهم بتقوى الله والعمل الصالح وأن يعود صحيحهم مريضهم وليعد غنيهم على فقيرهم
، وأن يشهد جنازة ميّتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم وأن يتفاوضوا علم الدين فإنّ
ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبداً أحيى أمرنا ) (وسائل الشيعة : 8 / 400.)
. |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من الهجران والمقاطعة
|
|
وندّد الإمام (ع) بظاهرة المقاطعة بين المؤمنين
قائلاً : ( لا يفترق رجلان على الهجران إلاّ استوجب
أحدهما البراءة واللعنة ، وربّما استحق ذلك كلاهما . فقال له معتّب :
جعلني الله فداك ، هذا الظالم . فما بال المظلوم ؟ قال : لأنّه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس ( يتغافل ) له عن كلامه ، سمعت أبي يقول : إذا تنازع اثنان ، فعازّ
أحدهما الآخر فليرجع المظلوم على صاحبه حتى يقول لصاحبه : أي أخي أنا الظالم ،
حتى يقطع الهجران فيما بينه وبين صاحبه فإنّ الله تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ
للمظلوم من الظالم ) (الكافي : 2/344 / ح1 وبحار الأنوار : 75/184 ، وسائل الشيعة :
8/584 .) . |
|
الخطّ التربوي للإمام
الصادق (عليه السلام)
|
|
لم تكن علاقة الإمام الصادق (عليه السلام) مع
جماعته وأصحابه من الناحية التربوية قائمة على أساس الوعظ والإرشاد العام من دون
تشخيص لمستويات وواقع سامعيه فكرياً وروحياً وما يحتاجون إليه ، بل كان (عليه
السلام) يستهدف البناء الخاص ، ويميّز بينهم ويزقّ لهم الفكرة التربوية التي
تحرّكهم نحو الواقع ليكونوا على استعداد تام لتحمّل مسؤولية إصلاح الأمة فكان
يزوّدهم بالأُسس والقواعد التربوية الميدانية التي تؤهلهم لتجاوز الضغوط النفسية
والاقتصادية ويمتلكوا الأمل الإلهي في تحقيق أهدافهم .
النقطة الأولى : في الدعوة والإصلاح
|
|
الباب الرابع
|
|
فيه فصول : الفصل الأول : نهاية الحكم الأموي وبداية الحكم العبّاسي . الفصل الثاني : حكومة المنصور واستشهاد الإمام الصادق (عليه
السلام) . الفصل الثالث : من تراث الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) . |
|
الفصل الأول : نهاية الحكم الأموي
وبداية الحكم العبّاسي
|
|
1 ـ المستجدّات السياسية
|
|
لقد
تداعا النظام الأموي في هذه المرحلة التاريخية من حياته بعد أن فقد في نظر الأمة
كلّ مبرّراته الحضارية ، عقائدية كانت أو سياسية ، ولم يبقَ في قبضته سوى منطق
السيف الذي هو آخر مواطن القوّة التي كان يدير بها شؤون البلاد . وكان من جملة العلماء الذين يدخلون على الإمام للاستفادة منه :
حفص بن غياث وهو أحد أعلام عصره وأحد المحدثين في وقته فكان يطلب من الإمام
(عليه السلام) أن يرشده ويوصيه . فقال له الإمام (عليه السلام) : ( إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا ، وما عليك أن لم يثن
الناس عليك ـ إلى أن قال ـ : إن قدرت أن لا
تخرج من بيتك فافعل فإنّ عليك في خروجك أن لا تغتاب ، ولا تكذب ولا تحسد ، ولا
ترائي ، ولا تداهن ) . |
|
2 ـ الحركة العبّاسيّة ( النشأة والأساليب
)
|
|
سبقت الإشارة إلى النواة الأولى التي دفعت ببني
العبّاس إلى أن يطمعوا في الخلافة ويمنّوا أنفسهم بها . |
|
الاساليب |
|
الأُسلوب الأوّل : الأُسلوب الثاني : |
|
اجتماع الأبواء
|
|
وكان
الهدف من عقد هذا الاجتماع الصوري بالإضافة إلى الهدف الذي ذكر أعلاه تهيئة
الأجواء الودية وإشاعة روح المحبّة والوئام بينهم وبين العلويين وتطميناً
لخواطرهم ، وعلى أقل تقدير جعلهم محايدين في هذا الصراع ، ليتمّ لهم ما يهدفون
إليه ويحشدوا ما استطاعوا من قوّة لصالحهم . وقام صالح بن علي خطيباً فقال :
قد علمتم أنّكم الذين تمدّ الناس أعينهم إليهم ، وقد جمعكم الله في هذا الموضع ،
فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إيّاها من أنفسكم وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله
وهو خير الفاتحين . |
|
تحرّك العبّاسيين بعد
المؤتمر
|
|
بعد أن حقّق المؤتمر غرضه وأنِسَ الحاضرون بقراره
الكاذب نشط إبراهيم الإمام في الاتجاه الآخر
ليواصل عمله بشكل مستقل عن أعضاء المؤتمر فأصدر عدّة
قرارات سرّية كعادته منها : أنّه كتب إلى شيعته في الكوفة وخراسان : إنّي قد أمّرت أبا مسلم بأمري فاسمعوا له وأطيعوا ، قد أمّرته على خراسان ، وما غلب عليه . كان ذلك سنة ( 128 هـ ) وكان أبو مسلم لا يتجاوز عمره التسعة عشر سنة ووصفوه بأنّه كان يقظاً
فاتكاً غادراً لا يعرف الرحمة ولا الرأفة ، وكان ماهراً في حياكة الدسائس . |
|
3 ـ موقف الإمام (عليه السلام) من الأحداث
|
|
التزم الإمام الصادق (عليه السلام) إزاء المستجدّات
السياسية في هذه المرحلة موقف الحياد . لكنّه من جانب آخر واصل العمل في نهجه
السابق ، وأخذ يتحرّك بقوّة ويوسّع من دائرة الأفراد الصالحين في المجتمع ؛
تحقيقاً لهدفه الذي خطّه قبل هذا الوقت وحفاظاً على جهده في بناء الإنسان . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من عرض أبي سلمة الخلاّل
|
|
لقد أدرك أبو سلمة الخلاّل أحد الدعاة
العباسيين النشطين في الكوفة والذي لعب دوراً متميّزاً في نجاح الدعوة العباسية
وتكثير أنصارها في الكوفة ؛ وذلك لما امتاز به من لياقة
وعلم ودهاء ، وثراء حيث أنفق من ماله الخاص على رجال الدعوة العباسية ، وكانت له
علاقة خاصة واتصالات مستمرّة مع إبراهيم الإمام ، وأدرك
بعد موت إبراهيم الإمام بأنّ الأمور تسير على خلاف ما كان يطمح إليه أو
لعلّه كان قد تغيّر هواه واستجدّ في نفسه شيء ، ولاحظ
أنّ مستقبل الخلافة سيكون إلى أبي العباس أو المنصور وهما غير جديرين بالخلافة
أو لطمعه بالسلطة ، نراه يكتب للعلويين وفي
مقدّمتهم الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّه يريد البيعة لهم . |
|
موقف الإمام الصادق
(عليه السلام) من العلويين
|
|
أمّا العلويون الذين خدعهم العباسيون في اجتماع
الأبواء قبل انتصار العباسيين وبايعوا في حينه محمد بن عبد الله كخليفة للمسلمين
، فقد استجاب عبد الله بن الحسن أيضاً للعرض
الذي تقدم به أبو سلمة وجاء للإمام الصادق
مسروراً يبشّره بهذا العرض . |
|
نهاية أبي سلمة الخلاّل
|
|
ولم يخف أمر أبي سلمة الخلال على
العباسيين فقد أحاطوه بالجواسيس التي تسجّل جميع حركاته
وأعماله وترفعها إلى العباسيين ، فاتفق السفّاح وأخوه
المنصور على أن يخرج المنصور لزيارة أبي مسلم ويحدّثه بأمر أبي سلمة ، ويطلب منه القيام باغتياله ، فخرج المنصور ، والتقى
بأبي مسلم ، وعرض عليه أمر أبي سلمة فقال ، أبو مسلم :
أفعلها أبو سلمة ؟ أنا أكفيكموه ؟ ثم دعا أحد
قوّاده ( مرار بن أنس الضبي ) ، وقال له : انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته . فسار إلى
الكوفة مع جماعة من جنوده وكان أبو سلمة يسمر عند
السفّاح الذي تظاهر بإعلان العفو والرضا عنه ، واختفى مرار مع جماعته في
طريق أبي سلمة فلمّا خرج من عند السفّاح بادر
إلى قتله ، وأشاعوا في الصباح : أنّ الخوارج هي
التي قتلته (اليعقوبي
: 2/354 وتاريخ الأمم والملوك ، أحداث سنة ( 132 ) قتل أبو سلمة في الخامس عشر
من شهر رجب بعد هزيمة مروان بشهر واحد .)
. |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من عرض أبي مسلم
|
|
أمّا أبو مسلم الخراساني
الذي قاد الانقلاب على الأمويين في خراسان ، وتمّ تأسيس الدولة العباسية على
يديه نجده في الأشهر الأولى من انتصار العبّاسيين
وإعلان البيعة لأبي العباس السفاح بالكوفة يكتب للإمام الصادق (عليه السلام) رسالة يريد
بها البيعة للإمام (عليه السلام) فقد جاء فيها
: إنّي قد أظهرت الكلمة ، ودعوت الناس عن موالاة بني أُميّة إلى موالاة أهل
البيت فإن رغبت فلا مزيد عليك (الملل والنحل للشهرستاني : 1 / 241 ، وفي روضة الكافي : 229
جوابه لرسول أبي مسلم بكتابه إليه . وعنه في بحار الأنوار : 47/297 .) . وقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم خير أو الحجاج ؟
قال : لا أقول إنّ أبا مسلم كان خيراً من أحد ولكنّ الحجاج كان شرّاً منه (وفيات الأعيان : 3 / 145
وتاريخ مختصر الدول لابن العبري : 121 : سُئل بعضهم ...) وكان لا يعرف أحداً من خط أهل البيت ومواليهم ; إذ
كانت علاقته محصورة بدائرة ضيّقة كما قد حددها له مولاه
إبراهيم الإمام عندما أمره أن لا يخالف سليمان
بن كثير ، فكان أبو مسلم يختلف ما بين إبراهيم وسليمان (وفيات الأعيان : 3/145 .) . |
|
4 ـ منهج الإمام (عليه السلام) في هذه
المرحلة
|
|
قد أملت الظروف السياسية الساخنة وساهمت في إيجاد
بعض التصوّرات والإرهاصات عند أصحاب الإمام (ع) أُسوة بباقي الناس ، وقد لاحظ
هؤلاء بأنّ الظرف مناسب لتفجير الوضع واستلام الحكم لضخامة ما كانوا يشاهدونه من
شعبية الإمام وكثرة الناس التي تواليه . جاءت التصوّرات والتساؤلات عن ضرورة
الثورة عند ما ورد إلى الإمام كتاب أبي مسلم الخراساني ، فعن الفضل الكاتب قال كنت عند أبي عبد الله (ع) فأتاه كتاب أبي مسلم فقال
(ع) : ليس لكتابك جواب أُخرج عنّا ـ
وقد مرّ جواب الإمام على العرض الذي تقدّم به أبو مسلم ـ فجعلنا يُسار بعضنا
بعضاً فقال : ( أيّ شيء تسارُّون يا فضل ؟ إنّ الله
عزّ ذكره لا يعجل لعجلة العباد ، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض
أجله ) . ثم قال : إنّ فلان بن فلان ، حتى بلغ السابع من ولد فلان . |
|
التصعيد العبّاسي
وموقف الإمام (عليه السلام)
|
|
وبعد
أن تولّى أبو العباس السفّاح الحكم وصار أوّل حاكم عبّاسي قام بتعيين الولاة في البلاد
الإسلامية ، فعيّن عمّه داود بن علي بن العباس والياً
على يثرب ومكة واليمن . وقد خطب داود أوّل
تولّيه المنصب خطاباً في أهالي المدينة وتضمّن خطابه التهديد والوعيد بالقتل
والتشريد قائلاً : أيّها الناس أغرّكم الإمهال حتى حسبتموه الإهمال ،
هيهات منكم ، وكيف بكم ؟ والسوط في كفّي والسيف مشهر . حتى يبيد قبيلة فقبيلة = ويعض كل مثقّف بالهامِ ويقمن ربات الخدور حواسراً = يمسحن عرض ذوائب الأيتامِ (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 1 / 139 .) وكان
تعيين داود بن علي عم السفّاح والياً على
المدينة له الأثر السلبي على حركة الإمام الصادق (عليه
السلام) فقد بادر هذا الأحمق بمواجهة الإمام عن طريق اعتقال مولى الإمام ( المعلّى بن خنيس ) والتحقيق معه لغرض
انتزاع أسماء الشيعة . وقد امتنع هذا المخلص وصمّم على
الشهادة ولم يذكر أي اسم حتى استشهد . |
|
الحضور في أجهزة
السلطة
|
|
ومن الخطوات التي تحرّك نحوها الإمام الصادق (ع) في هذه المرحلة وأسّس لها عملياً هي
الحضور المحدود في أجهزة السلطة لغرض الحفاظ على المسيرة الإسلامية من التحريف
والدفاع عنها عن طريق رصد المعلومات والمخطّطات والمواقف التي يفكّر بها الحكّام
بواسطة هذا النشاط ؛ ليتسنّى للإمام دفع الأخطار وإحباط المؤامرات . ثم يوفّر
هذا النشاط للإمام ردّ المظالم والقيام ببعض الخدمات للمحرومين ؛ ولهذا نجد الإمام (ع) يصدر رسالة شفوية لبعض الشيعة تتضمّن
توجيهات وتحذيرات للعاملين في هذا الميدان ردّاً على رسالة شيعي يطلب من الإمام
توضيحاً لهذه المهمّة إذ جاء فيها : وحاجتي أن تهدي إليّ من تبصيرك على مداراة
هذا السلطان وتدبير أمري كحاجتي إلى دعائك لي . |
|
الإمام الصادق يرسّخ
الاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام)
|
|
من المبادئ التي سعى الإمام الصادق (ع) لترسيخها في
نفوس الشيعة وضمن الدور المشترك الذي مارسه الأئمة (عليهم السلام) من قبله هي
مسألة القيادة العالميّة المهدويّة التي تمثّل الامتداد الشرعي لقيادة الرسول
(صلّى الله عليه وآله) ؛ لأنّها العقيدة التي تجسّد طموحات الأنبياء والأئمة حسب
التفسير الإسلامي للتأريخ الذي يؤكّد بأنّ وراثة الأرض سوف تكون للصالحين من
عباده قال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد
الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون ) (الأنبياء (21) : 105 .) . |
|
الفصل الثاني : حكومة المنصور
واستشهاد الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
المنصور والتضييق على
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
حين
تولّى الحكم أبو جعفر المنصور بعد أخيه أبي العباس السفّاح سنة ( 136 هـ ) عبّر
عن مكنون حقده على الإمام الصادق (عليه السلام) وصحبه من العلويين وغيرهم ، وقال
عنه المؤرّخون : وكان المنصور خدّاعاً لا يتردّد في سفك الدماء وكان سادراً في
بطشه مستهتراً في فتكه (الكامل في التأريخ : 4 / 355 .) . وقد تضمّن هذا
الاتّجاه جملة من الأساليب . الأسلوب الثاني : ومن أساليبه باتّجاه سياسة
التضييق التي فرضها على الإمام (ع) محاولة تسليط
الضوء على بعض الشخصيّات ليجعل منها بدائل علميّة تغطّي على الإمام وتؤيّد
سياسته ، وتساهم من جانب آخر في تضعيف القدسية والانجذاب الجماهيري نحو الإمام ،
وتؤدّي بالنتيجة إلى شق وحدة التيّار الإسلامي الذي يقرّ بزعامة الإمام (ع)
وأعلميّته وإيجاد الفرقة والاختلاف . الأسلوب الثالث : لقد كانت سياسة الإمام (عليه
السلام) إزاء حكومة المنصور ذات طابع غير ثوري ، وإنّما سلك الإمام نفس نهجه
السابق في التغيير والإصلاح ، وقد أوحى للمنصور في وقت سابق بأنه لم يكن بصدد
التخطيط للثورة ضدّه بل صرّح له في أكثر من مرة بذلك ، إلاّ أنّ المنصور لم
يطمئن لعدم تحرّك الإمام وثورته التغييرية ؛ وذلك بسبب ما كان يشاهده من كثرة
مؤيّديه . |
|
تحرّك العلويين نحو
الثورة
|
|
بعد أن تأكّد المنصور عن طريق المعلومات التي كانت
تصله من جواسيسه بأنّ السادة الحسنيين يخطّطون للثورة عليه ، انتظر المنصور موسم
الحجّ فلمّا حان الموسم سافر هو وحاشيته إلى بيت الله الحرام ، وبعد انتهائه من
مناسك الحجّ رجع إلى يثرب وقد صحب معه عقبة بن مسلم الجاسوس الذي عيّنه المنصور
لمراقبة تحرّك آل الحسن وكان قد أوصاه قبل سفره فقال له
:إذا لقيني بنو الحسن وفيهم عبد الله فأنا مكرمه ورافع محمله وداع بالغذاء فإذا
فرغنا من طعامنا فلحظتك فامتثل بين يديه فإنه سيصرف عنك بصره ، فاستدر حتى ترمز
ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من آل الحسن
|
|
وكتب الإمام الصادق (ع) إلى عبد الله بن الحسن
رسالة يعزّيه فيها ويُصبّرهُ على المصاب الذي جرى عليه وعلى أصحابه . |
|
ثورة محمد بن عبد
الله ( ذي النفس الزكيّة )
|
|
إنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي الملقّب بذي النفس الزكيّة قد رشّح باتّفاق الهاشميين
للخلافة ، وكان المنصور يسير بخدمته ويسوّي عليه
ثيابه ويمسك له دابته تقرّباً إليه ، وقد بايعه مع أخيه
السفّاح مرّتين . وبعد اختلاس العبّاسيين للحكم واستبدادهم وشياع ظلمهم تألّم محمد فأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب له الناس
وظلّ مختفياً مع أخيه إبراهيم ، وقد انتشرت
دعاتهم في البلاد الإسلامية داعية المسلمين إلى بيعة محمد هذا . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من الثورة :
|
|
لقد حذّر الإمام
الصادق (عليه السلام) عبد الله بن الحسن من
الترويج لابنه محمّد على أساس أنّه المهدي لهذه
الأمة ، وأخبر (عليه السلام) بمستقبل الأحداث
ونبّه على أنّها ستنتهي باستشهاد محمد وأخيه إبراهيم
، وأنّ الخلافة بعد أبي العباس السفّاح ستكون للمنصور
العباسي . |
|
الإمام الصادق يهيّئ
الخط الشيعي للمواصلة
|
|
لقد
كانت الفترة الأخيرة من حياة الإمام الصادق (ع) مع حكومة المنصور فترة تشدّد
ومراقبة لحركة الإمام ، تخلّلتها محاولات اغتيال عديدة
، لكنّ الإمام (ع) علم أنّ المنصور قد صمّم على قتله ؛ ولهذا مارس جملة من الأنشطة ليهيّئ فيها الخط الشيعي لمواصلة
الطريق من بعده . 2 ـ قال عنبسة العابد : لمّا مات
إسماعيل بن جعفر بن محمد (عليهما السلام) وفرغنا من جنازته ، جلس الصادق (عليه
السلام) وجلسنا حوله وهو مطرق ، ثم رفع رأسه فقال : ولا تحسبي أنّي تناسيت عهده = ولكنّ صبري يا أُميم جميل (كمال الدين : 72 ، 73 وأمالي
الصدوق : 197 وعنهما في بحار الأنوار : 47 / 245 .) 3 ـ قال إسحاق بن عمار : وصف إسماعيل
أخي لأبي عبد الله (ع) دينه واعتقاده فقال : إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ
محمداً رسول الله وأنّكم ـ ووصفهم يعني الأئمة ـ واحداً واحداً حتى انتهى إلى
أبي عبد الله . ثم قال : وإسماعيل من بعدك ! قال
: ( أمّا إسماعيل فلا ) (الغيبة للنعماني : 224 ،
وعنه في بحار الأنوار : 47 / 261 .)
. النشاط الثاني : رغم الحرب الباردة التي كانت
بين المنصور والإمام الصادق (عليه السلام) نلاحظ أنّ الإمام قد مارس بعض الأدوار
مع السلطة لغرض الحفاظ على الأمة وسلامة مسيرتها وإبقاء روح الرفض قائمة في
نفوسها ، مخافة أن تسبّب ممارسات المنصور حالة من الانكسار للشيعة حين الاستجابة
لمخطّطاته . 2 ـ قال عبد الله بن سليمان التميمي :
لمّا قُتل محمد وإبراهيم ابنا عبد الله ابن الحسن صار إلى المدينة رجل يقال له
شبّة عقال ، ولاّه المنصور على أهلها ، فلمّا قدمها وحضرت الجمعة صار إلى المسجد
فرقى المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال : النشاط الثالث : وهو نشاط الإمام الصادق (عليه
السلام) الخاص مع الشيعة في هذا الظرف العصيب وأساليب الاتّصال معهم . |
|
محاصرة الإمام (عليه
السلام) قُبيل استشهاده
|
|
صعّد المنصور من تضييقه على الإمام الصادق (عليه
السلام) ، ومهّد لقتله . |
|
الإمام الصادق (عليه
السلام) في ذمّة الخلود
|
|
وتتابعت
المحن على سليل النبوّة وعملاق الفكر الإسلامي ـ الإمام الصادق (ع) ـ في عهد المنصور الدوانيقي ـ فقد رأى ما قاساه
العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء ، وما كابده هو بالذات من صنوف أ ـ إنّه أوصى للحسن بن علي المعروف
بالأفطس بسبعين ديناراً ، فقال له شخص : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟ فقال
(عليه السلام) له : ويحك ما تقرأ القرآن؟! : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) (الغيبة للطوسي : 197 ،
بحار الأنوار : 47/276 .) . ب ـ إنّه أوصى بوصاياه الخاصّة ، وعهد
بأمره أمام الناس إلى خمسة أشخاص : وهم المنصور الدوانيقي ، ومحمد بن سليمان ،
وعبد الله ، وولده الإمام موسى ، وحميدة زوجته . ج ـ إنّه أوصى بجميع وصاياه إلى ولده الإمام
الكاظم (عليه السلام) وأوصاه بتجهيزه وغسله وتكفينه ، والصلاة عليه ، كما نصبه
إماماً من بعده ، ووجّه خواصّ شيعته إليه وأمرهم بلزوم طاعته . د
ـ إنّه دعا السيّدة حميدة زوجته ، وأمرها بإحضار جماعة من جيرانه ، ومواليه ،
فلمّا حضروا عنده قال لهم : ( إنّ شفاعتنا لا تنال
مستخفّاً بالصلاة ... ) (بحار الأنوار : 47/2 عن عقاب الأعمال للصدوق : 272 ط طهران ـ
الصدوق .) . (مقتضب الأثر في النصّ
على الأئمة الاثني عشر ، للجوهري : 52 .) |
|
الفصل الثالث : تراث الإمام الصادق
(عليه السلام)
|
|
إنّ
الحقبة الزمنية التي نشط فيها الإمام الصادق (ع) لإرساء دعائم منهج أهل البيت
(عليهم السلام) ورسم خطوطه التفصيلية تبلغ ثلاثة عقود ونصف عقد تقريباً . |
|
أعلام السنّة الذين
أخذوا عن الإمام الصادق (عليه السلام) :
|
|
أخذ عنه عدّة من أعلام السنّة وأئمّتهم ،
وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الأستاذ ، بل لم يأخذوا عنه إلاّ وهم
متّفقون على إمامته وجلالته وسيادته ، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع ،
والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ، بل عدّوا أخذهم عنه منقبة شُرّفوا بها ،
وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل ، ونحن أولاء نورد لك شطراً من
أولئك الأعلام . |
|
مصادر المعرفة
وآثارها
|
|
1 ـ عن علي بن الحكم ، عن هشام ، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال : ( لمّا خلق الله العقل
استنطقه ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، فقال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزّتي
وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليّ منك ، بك آخذ ، وبك أعطي وعليك أثيب )
(المحاسن : 1/192 ،
كتاب مصابيح الظلم ، باب 1 ، باب العقل ، ح 7 .)
. |
|
الأنبياء والأئمّة
|
|
1 ـ عن أبي حمزة الثمالي ، قال أبو عبد
الله (ع) : ( إيّاك والرياسة وإيّاك أن تطأ أعقاب
الرجال ـ إلى أن قال ـ : إيّاك أن تنصب رجلاً دون الحجّة ، فتصدقه في كل ما قال
) (معاني
الأخبار : 1/164 ، باب معنى وطء أعقاب الرجال .)
. |
|
الإسلام والإيمان
|
|
1 ـ عن جميل بن صالح ، قال : قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) أخبرني عن الإسلام والإيمان ، أهما مختلفان ؟ قال : ( إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان
، فقلت : فصفهما لي قال : ( الإسلام شهادة أن لا إله
إلاّ الله والتصديق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، به حقنت الدماء وعليه
جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس ، والإيمان الهدى وما ثبت في
القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة )
(الكافي : 2/25 ،
كتاب الإيمان والكفر باب أنّ الإيمان يشارك الإسلام ، ح 1 .) . |
|
التفقّه في الدين
|
|
1 ـ عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبي
عبد الله (ع) ، قال : ( قال رسول الله (ص) : طلب
العلم فريضة على كل مسلم ، ألا وأنّ الله يحب بغاة العلم ) (الكافي : 1/30 ، كتاب
فضل العلم الباب 1 ، باب فرض العلم ، ح 1 .)
. |
|
مصادر التشريع
الإسلامي
|
|
1 ـ عن حمّاد ، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال : سمعته يقول : ( ما من شيء إلاّ وفيه
كتاب أو سنّة ) (الكافي : 1/59 ، كتاب فضل العلم ، الباب 20 ، باب الرد إلى
الكتاب ، ح 4 .) . |
|
علم الأئمّة (عليهم
السلام)
|
|
1 ـ عن عبد الأعلى بن
أعين قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( قد ولدني (أي حصلني .) رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا أعلم كتاب الله
وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء والأرض ، وخبر
الجنّة ، وخبر النار ، وخبر ما كان وما هو كائن ، أعلم ذلك كأنّي انظر إلى كفّي
، إنّ الله يقول : ( فيه تبيان كل شيء ) ) (الكافي : 1/61 ، كتاب فضل العلم ، الباب 20 ، باب الردّ إلى
الكتاب ، الحديث 8 .) .
|
|
المناهج المنحرفة
|
|
1 ـ قال الصادق (ع) : ( دع القياس والرأي وما قال قوم في دين الله ليس له برهان )
(علل الشرائع :
1/88 ، الباب 81 ، باب علّة المرارة في الأُذنين ... ، ح 4 .) . |
|
نماذج من الفهم
الخاطئ
|
|
1 ـ عن عبد المؤمن الأنصاري ، قال : قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ قوماً يروون عن رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) ، قال : ( اختلاف أُمّتي رحمة ، فقال : ( صدقوا ) ، فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم
عذاب ! فقال : ( ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنّما أراد ،
قول الله عزّ وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) الآية . فأمرهم أن ينفروا الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
فيتعلّموا ، ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم ، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا
اختلافاً في دين الله ، إنّما الدين واحد ، إنّما الدين واحد ) (معاني الأخبار : 157/1
في معنى قوله اختلاف أُمّتي رحمة ، والآية في التوبة : 122 .) . |
|
منهج التفقه في الدين
|
|
1 ـ عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) : ما حقّ الله على خلقه ؟ قال : (
أن يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى
الله حقّه ) (المحاسن : 1/204 ، كتاب مصابيح الظلم ، الباب 4 ، حق الله عزّ
وجلّ في خلقه ، الحديث 53 .) . |
|
قواعد فقهيّة عامّة
|
|
1 ـ عن موسى بن بكر ، قال : قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) ، الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو
أكثر من ذلك ، كم يقضي من صلاته ؟ قال : ( ألا أخبرك
بما يجمع لك هذه الأشياء كلّها ؟ كلّما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده )
(الخصال : 2/644 ،
أبواب ما بعد الألف ، ح 24 .) . |
|
نماذج من فقه الإمام
الصادق (عليه السلام)
|
|
1 ـ عن ابن أُذينة ، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) ، قال : قال : ( ما تروي هذه الناصبة ؟
فقلت : جعلت فداك في ماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم
وسجودهم ، فقلت : إنّهم يقولون : إنّ أُبيّ بن كعب رآه في النوم ، فقال :
كذبوا ، فإنّ دين الله اعزّ من أن يرى في النوم )
(الكافي : 3/482 ،
كتاب الصلاة ، باب النوادر .) . |
|
نماذج من مواعظ
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
1 ـ قال (ع) : ( ليس منّا ولا كرامة
مَن كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وفيهم مَن هو أورع منه ) . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين |
|
|
|

|
اعلام الهداية
الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
|
|
أعلام
الهداية |
|
أهل البيت في القرآن الكريم ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) |
|
أهل البيت في السنّة النبويّة |
|
فهرس إجمالي
|
|
الباب الأول : |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ، ثم الصلاة والسلام على مَن اختارهم هداةً
لعباده ، لا سيّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء . ( قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى ) (
الأنعام (6) : 71 ) . 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمَن أُرسلوا إليه ، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في ( الاستيعاب والإحاطة اللازمة ) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها ، و( العصمة ) عن الخطأ والانحراف معاً ، قال تعالى : ( كان الناسُ أُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين
ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) (
البقرة (2) : 213 ) . وقد
خطا الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة ،
وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات
الثورية ، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين
من الزمن ما يلي : ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري : ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه
السلام) سادس أئمة أهل البيت (ع) الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهو المعصوم الثامن من أعلام الهداية
الربّانية في دين الإسلام . وكل مذاهب المسلمين مَدينة إلى علمه وفقهه ، كما أنّ
الحضارة الإنسانية في عصرنا هذا ترى نفسها مستظلة بظلال علومه ومعارفه . |
|
الباب الأول :
|
|
فيه فصول : الفصل الأول : الإمام الصادق (عليه السلام) في سطور . |
|
الفصل الأول : الإمام الصادق
(عليه السلام) في سطور
|
|
الإمام
جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) سادس الأئمة الأطهار من أهل البيت المعصومين
الذين نص الرسول (صلّى الله عليه وآله) على خلافتهم من بعده . |
|
الفصل الثاني : انطباعات عن شخصية
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
أشاد الإمام الباقر (ع) أمام أعلام شيعته بفضل ولده
الصادق (ع) قائلاً : هذا خير البريّة (الكافي : 1 / 307 .) . |
|
الفصل الثالث : مظاهر من شخصية
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
سعة علمه :
|
لقد شقّق الإمام الصادق (عليه السلام) العلوم بفكره
الثاقب وبصره الدقيق ؛ حتَّى ملأ الدنيا بعلومه ، وهو القائل : ( سلوني قبل أن تفقدوني فإنّه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل
حديثي ) (تأريخ
الإسلام للذهبي : 6/45 ، تذكرة الحفّاظ : 1/157 ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال
: 5/79 .) . ولم يقل أحد هذه الكلمة
سوى جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) . |
|
كرمه وجوده :
|
|
لقد
كان الإمام الصادق (عليه السلام) من أندى الناس كفّاً ، وكان يجود بما عنده
لإنعاش الفقراء والمحرومين ، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من كرمه ، كان من بينها ما يلي : ألبسك الله منه عافية = في نومك المعتري وفي أرقك يخرج من جسمك السقام = كما أخرج ذلّ السؤال من عنقك وعرف الإمام حاجته فقال لغلامه : أي شيء معك ؟ فقال : أربعمائة . فأمره بإعطائها له (أمالي الطوسي : 1/287 ،
مناقب آل أبي طالب : 4/296 .) . |
|
|
صدقاته في السر :
|
|
أمّا الصدقات في السر فإنّها من أفضل الأعمال
وأحبّها لله ؛ لأنّها من الأعمال الخالصة التي لا يشوبها أي غرض من أغراض الدنيا
، وقد ندب إليها أئمة أهل البيت (ع) ، كما أنّها
كانت منهجاً لهم ، فكل واحد منهم كان يعول جماعة من الفقراء وهم لا يعرفونه .
وكان الإمام الصادق يقوم في غلس الليل البهيم فيأخذ جراباً فيه الخبز واللحم
والدراهم فيحمله على عاتقه ويذهب به إلى أهل الحاجة من فقراء المدينة فيقسمه
فيهم ، وهم لا يعرفونه ، وما عرفوه حتَّى مضى إلى الله تعالى فافتقدوا تلك
الصلات فعلموا أنّها منه (الإمام جعفر الصادق : 47 .)
. |
|
تكريمه للضيوف :
|
|
ومن بوادر كرمه وسخائه حبّه للضيوف وتكريمه لهم ،
وقد كان يشرف على خدمة ضيوفه بنفسه ، كما كان يأتيهم بأشهى الطعام وألذّه ،
وأوفره ، ويكرّر عليهم القول وقت الأكل : ( أشدّكم
حبّاً لنا أكثركم أكلاً عندنا ... ) . |
|
تواضعه :
|
|
ومن مظاهر شخصيته العظيمة نكرانه للذات وحبّه
للتواضع وهو سيد المسلمين ، وإمام الملايين ، وكان من تواضعه أنّه كان يجلس على
الحصير (النجوم
الزاهرة : 5/176 .) ، ويرفض الجلوس
على الفرش الفاخرة ، وكان ينكر ويشجب المتكبّرين وحتّى قال ذات مرة لرجل من إحدى
القبائل : ( مَن سيد هذه القبيلة ؟ فبادر
الرجل قائلاً : أنا ، فأنكر الإمام (ع) ذلك ،
وقال له : لو كنت سيدهم ما قلت : أنا . . ) (الطبقات الكبرى : 1/32 .) . |
|
سمو أخلاقه :
|
|
كان الإمام الصادق (عليه السلام) على جانب كبير من
سمو الأخلاق ، فقد ملك القلوب ، وجذب العواطف بهذه الظاهرة الكريمة التي كانت
امتداداً لأخلاق جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي سما على سائر
النبيين بمعالي أخلاقه . |
|
صبره :
|
|
ومن الصفات البارزة في الإمام (عليه السلام) الصبر
وعدم الجزع على ما كان يلاقيه من عظيم المحن والخطوب ، ومن مظاهر صبره أنّه لمّا
توفّي ولده إسماعيل الذي كان ملأ العين في أدبه وعلمه وفضله دعا (عليه السلام)
جمعاً من أصحابه فقدّم لهم مائدة جعل فيها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ، ولمّا
فرغوا من تناول الطعام سأله بعض أصحابه ، فقال له : يا سيدي لا أرى عليك أثراً
من آثار الحزن على ولدك ؟ فأجابه (عليه السلام) : (
وما لي لا أكون كما ترون ، وقد جاء في خبر أصدق الصادقين ـ يعني جدّه
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ إلى أصحابه
إنّي ميت وإيّاكم ) (الإمام جعفر الصادق : 49 .)
. |
|
إقباله على العبادة :
|
أمّا
الإقبال على عبادة الله تعالى وطاعته فإنّه من أبرز صفات الإمام ، فقد كان من
أعبد الناس لله في عصره ، وقد أخلص في طاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص ، وإليك صورة موجزة عن عباداته : إنّ
الصلاة من أفضل العبادات وأهمّها في الإسلام ، وقد أشاد بها الإمام الصادق (ع)
في كثير من أحاديثه : إنّ
الصوم من العبادات المهمّة في الإسلام ؛ وذلك لما يترتّب عليه من الفوائد
الاجتماعية والصحية والأخلاقية ، ( وهو جُنّة من النار ) كما قال الإمام الصادق
(عليه السلام) (وسائل
الشيعة : 3 / 290 .) . أمّا الحج فهو بالإضافة إلى قدسيّته فإنّه من أهم
المؤتمرات السياسية التي تعقد في العالم الإسلامي ، حيث تعرض فيه أهم المشاكل التي
تواجه المسلمين سواء أكانت من الناحية الاقتصادية أم الاجتماعية أو المشاكل
السياسية الداخلية والخارجية ، مضافاً إلى أنّه من أهم الروابط التي يعرف بها
المسلمون بعضهم بعضاً . |
|
الباب الثاني :
|
|
فيه فصول : الفصل الأوّل : نشأة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) . |
|
الفصل الأوّل : نشأة الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام)
|
|
|
الأسرة الكريمة :
|
|
إنّ أسرة الإمام الصادق (عليه السلام) ، هي أجل
وأسمى أسرة في دنيا العرب والإسلام ؛ فإنّها تلك الأسرة التي أنجبت خاتم النبيين
وسيد المرسلين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وأنجبت أيضاً عظماء الأئمة
وأعلام العلماء ، وهي على امتداد التأريخ لا تزال مهوى أفئدة المسلمين ، ومهبط
الوحي والإلهام . |
|
الأب الكريم :
|
|
هو الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) سيد
الناس لا في عصره ، وإنّما في جميع العصور على امتداد التأريخ علماً وفضلاً
وتقوى ، ولم يظهر من أحد في ولد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) مَن علم
الدين والسنن وعلم القرآن والسير ، وفنون الأدب والبلاغة مثل ما ظهر منه (الفصول المهمّة : 192 .) . |
|
الأُم الزكيّة :
|
|
هي السيدة المهذّبة الزكية ( أم فروة ) بنت الفقيه
القاسم (أصول
الكافي 1/472 ، وتاريخ أهل البيت 122 ، والإرشاد 2/180 ،وتذكرة الخواص : 306
و307 .) بن محمّد بن أبي بكر (القاسم بن محمد بن أبي
بكر كان من الفقهاء الأجلاّء ، وكان عمر بن عبد العزيز يجله كثيراً وقد قال : لو
كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم بن محمّد الخلافة ، وقد عمّر طويلاً وذهب بصره
في آخر عمره ، ولمّا احتضر قال لابنه : سن عليّ التراب سناً ـ أي ضعه عليّ سهلاً
ـ وسوّي على قبري ، والحق بأهلك ، وإيّاك أن تقول : كان أبي ، وكانت وفاته بمكان
يقال له قديد ، وهو اسم موضع يقع ما بين مكة والمدينة ، راجع ترجمته في صفة
الصفوة : 2/49 ـ 50 والمعارف : 54 ، ومعجم البلدان : 7 / 38 ، ووفيات الأعيان :
3 / 224 .) وكانت من سيدات النساء
عفّةً وشرفاً وفضلاً ، فقد تربّت في بيت أبيها وهو من الفضلاء اللامعين في عصره
، كما تلقّت الفقه والمعارف الإسلامية من زوجها الإمام الأعظم محمّد الباقر
(عليه السلام) ، وكانت على جانب كبير من الفضل ، حتى أصبحت مرجعاً للسيدات من
نساء بلدها وغيره في مهام أمورهن الدينية ، وحسبها فخراً وشرفاً أنّها صارت
أُمّاً لأعظم إمام من أئمة المسلمين ، وكانت تعامل في بيتها بإجلال واحترام من
قِبل زوجها ، وباقي أفراد العائلة النبوية . |
|
ولادة النور :
|
|
ولم تمضِ فترة طويلة من زواج السيدة ( أم فروة ) بالإمام محمّد الباقر (ع) حتَّى حملت ، وعمّت البشرى
أفراد الأسرة العلوية ، وتطلّعوا إلى المولود العظيم تطلّعهم لمشرق الشمس ،
ولمّا أشرقت الأرض بولادة المولود المبارك سارعت القابلة لتزف البشرى إلى أبيه
فلم تجده في البيت ، وإنّما وجدت جدّه الإمام زين العابدين (ع) ، فهنّأته
بالمولود الجديد ، وغمرت الإمام موجات من الفرح والسرور ؛ لأنّه علم أنّ هذا
الوليد سيجدّد معالم الدين ، ويحيي سنّة جدّه سيّد المرسلين (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) وأخبرته القابلة بأنّ له عينين زرقاوين جميلتين ، فتبسّم الإمام (ع)
وقال : إنّه يشبه عيني والدتي (الإمام الصادق كما عرفه
علماء الغرب : 72 .) . |
|
تاريخ ولادته :
|
|
اختلف المؤرّخون في السنة التي وُلد فيها الإمام
الصادق (عليه السلام) فمن قائل إنّه وُلد بالمدينة المنوّرة سنة ( 80 هـ ) (تأريخ ابن الوردي :
1/266 ، الإتحاف بحب الإشراف : 54 ، سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : 34
، ينابيع المودة : 457 ، تذكرة الحفاظ : 1/157 ، نور الأبصار للشبلنجي : 132 ،
وفيات الأعيان : 1/191 .) . |
|
تسميته وألقابه :
|
|
أمّا اسمه الشريف فهو ( جعفر )
ونصّ كثير من المؤرّخين على أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي
سمّاه بهذا الاسم ، ولقّبه بالصادق . |
|
معرفته بجميع اللغات
:
|
|
وكان في سنّه المبكّر عارفاً بجميع لغات العالم إذ
كان يتكلّم مع كل أهل لغة كأنّه واحد منهم . وإليك نماذج تشير إلى ذلك : 2 ـ روى عامر بن علي الجامعي ، قال :
قلت لأبي عبد الله (ع) : جُعلت فداك ، إنّا نأكل كل ذبائح أهل الكتاب ، ولا ندري
أيسمّون عليها أم لا ؟ فقال (ع) : إذا سمعتموهم قد سمّوا فكلوا ، أتدري ما
يقولون على ذبائحهم ؟ |
|
هيبته ووقاره :
|
|
كانت الوجوه تعنو لهيبة الإمام الصادق (عليه
السلام) ووقاره ، فقد حاكى هيبة الأنبياء ، وجلالة الأوصياء ، وما رآه أحد إلاَّ
هابه إذ كانت تعلوه روحانية الإمامة ، وقداسة الأولياء . وكان ابن مسكان وهو من
خيار الشيعة وثقاتها لا يدخل عليه شفقة أن لا يوافيه حق إجلاله وتعظيمه ، فكان
يسمع ما يحتاج إليه مراحل حياة الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) من أمور دينه من
أصحابه ، ويأبى أن يدخل عليه (الاختصاص : 203 .)
. |
|
الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام
الصادق (عليه السلام)
|
|
ولد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه
السلام) في مرحلة ازدهار الدولة الأموية حين ابتعد الخلفاء
كثيراً عن طريق الحق وترسّخت صيغة الملك المتوارث . وتمكّن الإمام الصادق (ع) في هذه
الفترة من المعترك السياسي المرير أن يحافظ على كيان المذهب الشيعي واستمرار
سلامة الجماعة الصالحة وتنميتها ، تلك الجماعة التي عمل على بنائها وتوسعتها
آباؤه الطاهرون . |
|
المرحلة الأولى :
حياته مع جدّه وأبيه ( من سنة 83 إلى سنة 95 هـ ) .
|
|
المرحلة الثانية :
|
|
حياته مع أبيه الباقر (عليه السلام) (من سنة 95 إلى سنة 114 هـ ) . |
|
الفصل الثالث : الإمام الصادق في
ظل جدّه وأبيه (عليهم السلام)
|
|
ملامح عصر الإمام زين
العابدين ومواقفه
|
|
لقد
واجه الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعد
استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام) ما يلي : |
|
ملامح عصر الإمام
محمد الباقر (عليه السلام)
|
|
استشهد الإمام زين العابدين (عليه
السلام) سنة ( 95 هـ ) في أيام حكم الوليد
ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مسؤولية
الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه
صندوقاً فيه سلاح رسول الله (عليه السلام) وقال له : (
يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قال (عليه السلام) : أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (بصائر الدرجات 4/44 و48
، وأصول الكافي 1/305 وعنهما في بحار الأنوار : 46/229 .) . كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ
الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية . |
|
متطلّبات عصر الإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
ونلخّص دور الإمام الباقر(عليه السلام)
في ثلاثة خطوط أساسية : |
|
1 ـ الخط السياسي للإمام الباقر (عليه
السلام)
|
|
لقد كان الخيار السياسي للإمام
الباقر (ع) في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع
الأمويين . وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة
الأمة ومستوى وعيها آنذاك : ( إنْ دَعَوْناهم لم
يستجيبوا لنا ) (الإرشاد ، للشيخ المفيد : 284 .) .
|
|
2 ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة
|
|
لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر
الإمام الباقر (عليه السلام) فقد باشرها الرسول (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) ثم لإمام علي (عليه
السلام) ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك
الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل
بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام علي
(عليه السلام) مع مناوئيه . |
|
3 ـ تأسيس جامعة أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى
لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر
ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً
مناسباً لبثّ أفكارها . |
|
الباب الثالث :
|
|
وفيه فصول : الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادق (عليه السلام) . الفصل الثاني : دور الإمام (عليه السلام) في تثبيت معالم الرسالة
. الفصل الثالث : دور الإمام (عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة
.
|
|
الفصل الأول : ملامح عصر الإمام
الصادق (عليه السلام) (114 ـ 132 هـ)
|
|
تصدّى الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)
لموقع الإمامة بعد أبيه محمد الباقر (ع) سنة ( 114 هـ )
؛ فكان مرجعاً في الدين والسياسة والفكر والثقافة للمسلمين عامة ،
ولأتباع أهل البيت (ع) بشكل خاص . قال الإمام
الصادق (ع) : لمّا حضرت أبي الوفاة قال : يا جعفر
أوصيك بأصحابي خيراً . قلت : ( جعلت فداك والله لأدعنّهم والرجل منهم يكون في
مصر فلا يسأل أحداً ) (الإرشاد : 1 / 40 ، وبحار الأنوار : 47 / 12 .) . |
|
1 ـ الوضع السياسي
|
|
لم يكن الوضع السياسي الذي يريد أن يتحرّك في وسطه
الإمام الصادق (ع) قد تبدّل ؛ فهشام بن عبد الملك الذي أقدم على اغتيال الإمام
الباقر (ع) لازال هو الحاكم ، وسياسته مع الإمام الباقر (ع) وشيعته هي السياسة
نفسها ، وهي سياسة قائمة على أساس الحقد الجاهلي وتتلخّص في التشريد والاضطهاد . |
|
زيد يعلن الثورة
|
|
وجمع زيد بن علي الأنصار والدعاة فأعلن
ثورته والتحق به عدد غفير . |
|
موقف الإمام الصادق
(عليه السلام) من ثورة زيد
|
|
يقول مهزم الأسدي دخلت على الإمام الصادق (عليه
السلام) فقال : يا مهزم ما فعل زيد ؟ قال :
قلت : صلب ، قال : أين ؟ قلت : في كناسة بني
أسد . قال : أنت رأيته مصلوباً في كناسة بني أسد ؟
قال : قلت : نعم ، فبكى حتَّى بكت النساء خلف الستور (أمالي الطوسي : 2/284 .)
. |
|
الإمام (عليه السلام)
وهشام بن عبد الملك
|
|
في هذا الجو المشحون بتزاحم الإرادات وحدوث تمرّد
على الحكومة هنا وهناك ، خصوصاً بعد ثورة زيد (رحمه الله) والإمام الصادق (عليه
السلام) مشغول بترتيب أوضاعه الرساليّة ، والتهم تثار ضدّ الشيعة تارةً بالخروج
على السلطان ، وأخرى بالزندقة وجواز سبّ الخلفاء ، يدخل هشام إلى المدينة
ويستقبله بنو العباس بالشكوى على الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّه أخذ تركات
ماهر الخصي دوننا . هنا يخطب أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) فيقول : كان أبوكم طليقنا وعتيقنا وأسلم كارهاً تحت سيوفنا ، لم
يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط فقطع الله ولايته منّا بقوله : ( والَّذين آمنوا ولم |
|
يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء ) (الأنفال : 8 / 72 .) ثم قال : هذا مولى
لنا مات فحزنا تراثه ، إذ كان مولانا ، ولأنّا ولد رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) وأُمّنا فاطمة أحرزت ميراثه (المناقب لأبن شهر آشوب : 1/321 ، وبحار الأنوار : 47/176 ح22
.) . أتوعد
كلّ جبارٍ عنيد = فها أنا ذاك جبّار عنيد إذا
ما جئت ربّك يوم حشر = فقل يا ربّ مزّقني الوليد (مروج الذهب : 3/216 .) وقد تمادى في الغيّ حتّى قال له هشام : ويحك والله
ما أدري أعلى دين الإسلام أنتَ أم لا ؟! |
|
بداية الانفلات
|
|
لم تكن هذه اللحظات التأريخية من حياة الأمة التي
بدأت فيها بالمطالبة بإزاحة بني أمية من مركز الحكم لتتحقّق بشكل عفوي ، وإنّما
جاءت نتيجةً لفعاليات ثوريّة بدأت من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ،
واستمرّت حتَّى ثورة زيد التي أطاحت بهيبة هشام بن عبد الملك الأموي وطغيانه . |
|
الإمام الصادق (عليه
السلام) يشيد بثورة عمّه زيد
|
|
كانت السلطة الحاكمة عندما تريد الانتقام من خصومها
تلقي عليهم تهماً مستهجنة في نظر عامة الناس ، مثل شق عصا المسلمين ، وتهمة
الزندقة ؛ لتكون مسوّغاً لاستباحة دمائهم وتحشيد البسطاء من الناس عليهم . |
|
مقتل يحيى بن زيد
|
|
وفي أيام الوليد بن يزيد قُتل يحيى بن زيد أيضاً ،
وذلك أنّ يحيى خرج من الكوفة بعد مقتل أبيه وتوجّه إلى خراسان ، فسار إلى الري ،
ومنها أتى سرخس ، ثم خرج ونزل بلخ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني ولم يزل
عنده حتّى هلك هشام وولي الوليد (زيد بن علي ، للسيد عبد الرزاق المقرم : 176 .) . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) إزاء الأحداث السياسية
|
|
ويمكن تلخيص الموقف السياسي الذي خطّه الإمام (عليه
السلام) إزاء الأحداث ، وإزاء العروض التي تقدّمت بها جماعات موالية وأخرى متعاطفة
في نقطتين : |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من العروض التي قُدّمت له
|
|
العرض الأوّل :
روي عن عبد الحميد بن أبي الديلم أنّه قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)
فأتاه كتاب عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم ، وكتاب الفيض بن المختار وسليمان
بن خالد يخبرونه أنّ الكوفة شاغرة (شاغرة : شغر البلد شغوراً : إذا خلى من حافظ يمنعه .) برجلها وأنّه إن أمَرَهُم أن يأخذوها أخذوها .
فلمّا قرأ (عليه السلام) كتابهم رمى به ، ثمّ قال : ما
أنا لهؤلاء بإمام ، أما علموا أنّ صاحبهم السفياني ؟ (اختيار معرفة الرجال : 2
/ 641 / ح662 ، بحار الأنوار : 47 / 351 .)
. |
|
الإمام (عليه السلام)
يحذّر الشيعة من المواقف الانفعالية
|
|
ولإيضاح هذه النقطة نطالع بعض النماذج
التالية : |
|
2 ـ الوضع الفكري
|
|
إنّ الظواهر الفكرية والعقائدية السائدة في عصر
الإمام الصادق (عليه السلام) ـ مثل : الزندقة ، الغلّو ، والاعتزال ، والجبر ،
والرأي ، وما نتج عنها من ظهور صيغ جديدة لفهم الرسالة في مجال الفقه وتفسير
الحديث والقرآن الكريم ـ لم تكن وليدة الظرف الّذي عاصره الإمام ولم تأتي
بالمصادفة ، وإنّما يعود وجودها إلى ذلك المنهج الّذي خطّه الأمويون ومَن سبقهم
من الخلفاء الذين اجتنبوا منهج أهل البيت (عليهم السلام) وسلكوا طريقاً آخر طيلة
عشرة عقود أو أكثر ، فعكس للأجيال صورة مزيّفة عن الدين لا يتجاوز كونه أداة
موجهة بيد الحكّام يحمون به سلطانهم ويوظّفونه حسب ما تتطلّبه سياستهم ، ضد
المستضعفين حين أصبح المسلم آنذاك لا يرى إلاّ الصورة المقيتة عن الدين ؛ ولهذا
كانت الزندقة ردّة فعل لهذا الانحراف بعد تلاعب الحكّام بالدين ، وقد لقيت رواجاً
في هذا الوسط الديني المضطرب والمليء بالمفاهيم الخاطئة . |
|
تحريف مصادر التشريع والتاريخ :
|
|
أ ـ التحريف في مجال
تفسير القرآن الكريم
|
|
كان التعامل مع النص القرآني وتفسيره يعتمد الرأي
أو الروايات الإسرائيلية ، ويوظّف لصالح سياسة الخليفة ، ومن الأمثلة على ذلك : |
|
ب ـ التحريف في مجال
الحديث النبوي الشريف :
|
|
1 ـ جاء في صحيح الترمذي عن النبي (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال لمعاوية : اللّهمّ اجعله هادياً مهدياً وأهد به (صحيح الترمذي : 5 / 687
، باب مناقب معاوية .) . |
|
الاتجاهات الفكرية المنحرفة
|
|
1 ـ الجبر
|
|
1 ـ الجبر : عندما دعت الحاجة لصياغة علم
الكلام والفقه والتفسير رجع المنظّرون لهذه الأفكار إلى التراث الحديثي الذي قد
يبدو منه الجبر من قِبل الله للعباد فاستخدموه لخدمة الأمويين تثبيتاً لدعائم
سلطانهم فروّجوا عقيدة أنّ الجبر التي تعني نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى
الربّ تعالى ، فكل ما يصدر من العبد من خير أو شر ينسب إلى الله سبحانه ،
ويقولون إنّه ليس لنا صُنع ، أي لسنا مخيّرين بل نسير بإرادة الله ومشيئته فإذا
شاء الله أن نصلّي صلّينا وإذا شاء أن نشرب الخمر شربناها . واستدلوا على ذلك
بآيات قرآنية منها قوله تعالى : ( وما تشاؤون إلاّ أن
يشاء الله ) (الإنسان : 76 / 30 .)
. وقوله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ
يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) (الأنعام : 6 / 125 .)
ومن الواضح أنّ المعتنق لهذه العقيدة يسمح لنفسه بارتكاب كل جريمة ومعصية من ترك
الواجبات وانتهاك المحرّمات مثل شرب الخمر وارتكاب الزنا والسرقة والقتل ثم يقول
شاء الله أن أسرق فسرقت ، وشاء الله أن أزني فزنيت ؛ وبهذا لا يكون للإنسان كسب
ولا إرادة ولا اختيار ولا تصرّف فيما وهبه الله من نعمة العقل ، فكيف يكون له
مطمع في ثواب أو خوف من عقاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 122 .) . |
|
2 ـ الزندقة :
|
|
2 ـ الزندقة : ومن الأفكار التي ظهرت في
عصر الإمام الصادق (عليه السلام) فكرة الإلحاد والزندقة ، ولا يستغرب أحد من
نشوء هذه الفكرة المنحرفة في العالم الإسلامي وهو عالم التوحيد الخالص وإبّان
قوته وفي وقت تتطلع سائر الأمم للرسالة الإسلامية الخاتمة . |
|
3 ـ الاعتزال : |
|
الاعتزال :
لقد تطرّف الخوارج والمرجئة في حكم مرتكب الكبيرة ، بعد تعارض التراث الحديثي
والتفسيري مع العقل ، ثم عجزت الثقافة التي جمدت على ظواهر الحديث والقرآن من
الإجابة على الأسئلة التي فرضتها حالة الانفتاح على الحضارات الأخرى . ومن هنا
تبلورت أفكار المعتزلة تلبية لحاجة التطوّر المدني في البلاد الإسلامية وكثرة
الاستفهامات التي كانت تثيرها الحركات الإلحادية فظهرت في هذا العصر فكرة
الاعتزال التي رفضت الاعتماد على الحديث بشكل مطلق وهاجمت أهل الحديث لتعطيلهم العقل
، وتكفيرهم كل مَن يبحث ويناقش . |
|
الخط السياسي
للاعتزال :
|
|
كان الاعتزال مسانداً للحكم القائم في تلك العصور ،
وقد خدم سياسة الحكّام عندما أخذ يهاجم المقدسات في ضمير الأمة وتفكيرها ؛ وذلك
حين أقرّ المعتزلة بأنّ الإمامة والخلافة تتمّ للمفضول ويجوز تقديمه على الفاضل
، وبهذا استدلّوا على شرعيّة خلافة الأمويين والعباسيين . |
|
4 ـ حركة الغلاة
|
|
حركة الغلاة :
تعتبر حركة الغلاة في نظر المؤرّخين من أخطر الحركات هدماً وضرراً للمجتمع
الإسلامي آنذاك ؛ لأنّها حركة سياسية عقائدية قد استهدفت ضرب الإسلام من الداخل
، كما أنّ دراسة هذهِ الحركة من قِبل المؤرّخين لا زالت غامضة حتى اليوم ; إذ لم
تدوّن أفكار هذهِ الحركة بأقلام دعاتها . |
|
الفصل الثاني : متطلّبات عصر
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
بعد
الوقوف على مظاهر الفساد والانحراف التي عمّت ميادين الحياة في عصر الإمام
الصادق (عليه السلام) نستطيع أن ندرك عمق المأساة التي كان الإمام (عليه السلام)
قد واكبها منذُ نشأته حتى هذا التاريخ . |
|
الانفتاح على الاتجاهات الفكرية والسياسية
|
|
ويقع البحث في هذا الحقل ضمن عدّة محاور : |
|
1 ـ المحور العقائدي السياسي :
|
|
وفي هذا المحور ركّز الإمام على عدّة
نشاطات : وبادر عمرو فقال : أجعلها شورى بين المسلمين . |
|
2 ـ المحور الثقافي والفكري :
|
|
أ ـ مواجهة التيّارات الإلحادية : |
|
ومن الخطوات التي خطاها الإمام (عليه السلام) هي
مواجهة الأفكار الإلحادية ـ سابقة الذكر ـ حيث ناقشها بعدّة أساليب حتى استفرغ
محتواها ووقف أمام تحقيقها لأهدافها . |
|
ب
ـ مواجهة تيّار الغلوّ
|
|
لقد كان موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من تيّار
الغلوّ وحركة الغلاة حازماً وصارماً ، فقال لسدير : (
يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، برئ الله منهم
ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ودين آبائي ، والله لا يجمعني وإيّاهم يوم إلاّ وهو
عليهم ساخط ) (أصول الكافي : 1 / 269 .)
. وقال (عليه السلام) له : ( إذا قدمت الكوفة فأت بشار الشعيري وقل له : يقول لك جعفر بن محمد : يا
كافر يا فاسق أنا بريء منك . قال : مرازم فلمّا دخلت الكوفة قلت له :
يقول لك جعفر بن محمد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك . قال بشار : وقد
ذكرني سيدي ؟! قلت : نعم ذكرك بهذا . قال : جزاك الله خير ) (اختيار معرفة الرجال
للكشي : 398 ح 744 وعنه في الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2/375 .) . |
|
ج ـ طرح المنهج
الصحيح لفهم الشريعة :
|
|
إنّ
الإمام الصادق (ع) في الوقت الذي كان يواجه هذه
التيارات الإلحادية الخطيرة على الأمة كان مشغولاً
أيضاً بمواجهة التيّارات التي تتبنّى المناهج
الفقهية التي تتنافى مع روح التشريع الإسلامي ، والتي تكمن خطورتها في
كونها تعرّض الدين إلى المحق الداخلي والتغيير في محتواه ، من هنا كان الإمام (ع) ينهى أصحابه عن العمل بها حتّى قال لأبان :
( يا أبان ! إنّ السُنة إذا قيست محق الدين ) (بحار الأنوار : 104/405
عن المحاسن للبرقي .) . والتفت أبو حنيفة إلى الإمام (عليه السلام) قائلاً
: أخبرني عن الكلمة التي أوّلها كفر وآخرها إيمان ؟ تزعم أنّك تفتي بكتاب الله ، ولست ممّن
ورثه ، وتزعم أنّك صاحب قياس ، وأوّل مَن قاس إبليس لعنه الله ولم يُبنَ دينُ
الإسلام على القياس وتزعم أنّك صاحب رأي ، وكان الرأي من رسول الله (ص) صواباً
ومن دونه خطأ ؛ لأنّ الله تعالى قال : ( فاحكم بينهم بما أراك الله ) ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنّك صاحب حدود ، ومَن أُنزلت عليه
أولى بعلمها منك ، وتزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء ، وخاتم الأنبياء أعلم
بمباعثهم منك . |
|
د ـ مواجهة التحريف
والاستغلال السياسي للقرآن ومفاهيمه :
|
|
قام الإمام الصادق (عليه السلام) بحماية القرآن
وصيانته من عملية التوظيف السياسي ، التي تجعل النص القرآني خادماً لأغراض
سياسيّة مشبوهة ، تحاول إسباغ طابع شرعي على الحكم الظالم وشلّ روح الثورة
وإطفاء روح المقاومة في نفوس الأمة وبالتالي إسقاط شرعيّة القوى الرافضة لهذهِ
النظم الظالمة ؛ حتى قيل في تفسير قوله تعالى : (
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ
اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى
سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ
لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (البقرة (2) : 204 ـ 205 .)
. |
|
3 ـ المحور الروحي والأخلاقي
|
|
لاحظ
الإمام الصادق (ع) تأثير موجات الانحراف الفكري والسياسي على الأمة ومدى إفسادها
لعقول الناس ، وما لعبته سياسة الأمويين من خلق أجواء ملائمة لطغيان النزعات
الإلحادية والقبلية حتى عمّ الانفلات الأخلاقي ، كما كثر في زمانه (عليه السلام)
رفع شعار الورع والتقوى . كل ذلك أفقد الأمة قيمها وأبعدها عن الأخلاق التي أمر
بها الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأرادها لأُمّته . |
|
مواصلة بناء جامعة
أهل البيت الإسلامية
|
|
لقد واصل الإمام الصادق (عليه السلام) تطويره
للمدرسة التي أسّسها الأئمة (عليهم السلام) من قبله ، وانتقل بها إلى آفاق أرحب
فاستقطبت الجماهير من مختلف البلاد الإسلامية ؛ لأنّها قد لبّت الرغبة في نفوسهم
وسعت لملء الفراغ الذي كانت تعانيه الأمة آنذاك . |
|
خصائص جامعة أهل
البيت (عليهم السلام)
|
|
1 ـ من مميّزات مدرسة الإمام الصادق (ع) واختلافها عن باقي
المدارس أنّها لم تنغلق في المعرفة على خصوص العناصر
الموالية فحسب ، وإنّما انفتحت لتضمّ طلاّب العلم من مختلف الاتّجاهات ، فهذا
أبو حنيفة الذي كان يخالف منهج الإمام (ع) حيث
سلك في القياس مسلكاً استوجب شدّة الإنكار عليه وعلى أصحابه ، وهو الذي أطلق على
مؤمن الطاق اسم شيطان الطاق ، كان ممّن يختلف إلى الإمام الصادق ويسأله عن كثير
من المسائل وقد روى عن الإمام الصادق (ع) وحدّث عنه واتّصل به في المدينة مدّة
من الزمن ، وناصر زيد بن علي وساهم في الدعوة إلى الخروج معه ، وكان يقول : ضاها
خروج زيد خروج رسول الله (ص) يوم بدر (حياة الإمام محمد الباقر : 1 / 75 .) . |
|
التخصّص العلمي في
مدرسة الإمام (عليه السلام)
|
|
والتفت الإمام في تلك المرحلة لأهمّية الاختصاص
ودوره في إنماء الفكر الإسلامي وتطويره ، وقدرته في استيعاب الطاقات الكثيرة
الوافدة على مدرسته ، وبالتخصّص تتنوّع عطاءاته ، فيكون الإبداع أعمق نتاجاً
وأكثر احتواءً ؛ لذا وجّه الإمام (عليه السلام) طلاّبه نحو التخصّصات العلمية ،
وتصدّى بنفسه للإشراف ، فكان يعالج الإشكالات التي تستجد ، ويدفع مسيرة الحركة
العلمية إلى الأمام . ولا يمكن في هذا البحث أن نستوعب كل هذه التخصّصات وإنّما نقتصر على ذكر بعض النماذج فيما يأتي :
وبرز في المناظرة :
هشام بن الحكم ، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) مسروراً بمناظرات هشام وحين
استمع مناظراته مع زعيم المعتزلة ـ عمرو بن عبيد ـ وأخبره بانتصاره عليه قال له
الإمام (ع) : يا هشام مَن علّمك هذا ؟ قال :
يا بن رسول الله جرى على لساني قال الإمام (ع) : (
هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى ) (راجع الاحتجاج : 2 / 125 ـ 128 .) . |
|
الفصل الثالث : دور الإمام الصادق
(عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة
|
|
لقد تحدّثنا عن طبيعة الظروف السياسية وتناقضاتها
والمظاهر الحياتية المضطربة ، والدور التخريبي الذي لعبته التيارات الفكرية
والسياسية المنحرفة في ضمير الأمة وفكرها وثقافتها . وعلى رأس هذا المدّ المنحرف
كانت سياسة الأمويين الظالمة التي استمرّت لزمن طويل نسبياً . |
|
الهدف من إيجاد
الجماعة الصالحة
|
|
من هنا كان تحرّك الإمام نحو بناء الجماعة الصالحة
بهدف تغيير المجتمع الإسلامي وفق أطروحة أهل البيت (عليهم السلام) ; لأنّ وجود
مثل هذا التيّار المتماسك يوفّر جملة من المكاسب والمنافع والأهداف التي كان
يسعى الإمام (عليه السلام) لتحقيقها في حركته الرساليّة . |
|
1 ـ المحافظة على المجتمع الإسلامي
|
|
إنّ وجود هذا الخط في وسط الأمة سوف يوسّع من دائرة
الأفراد الصالحين والواعين وكلّما اتّسعت هذه الدائرة كان الإمام (ع) أكثر
اقتداراً على التغيير وإدارة العمل السياسي الذي يخوضه مع الحكّام . |
|
2 ـ الحفاظ على الشريعة الإسلامية
|
|
وقف الإمام الصادق (عليه السلام) ضدّ حملات التشويه
التي أرادت أن تعصف بالشريعة الإسلامية وتعرّضها للانحراف الذي أصاب الشرايع
الأخرى من خلال دخول أفكار غريبة عن الشريعة بين أتباعها ، واستخدام أدوات جديدة
لفهم الشريعة كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة . |
|
3 ـ المطالبة بالحكم الإسلامي
|
|
إنّ
القيادة السياسية حق مشروع للأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) وفق
النصوص الإسلامية الثابتة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) والتي تواترت عند
مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) . |
|
الدور الخاص للإمام الصادق (عليه السلام) في بناء الجماعة
الصالحة
|
|
أ : البناء الجهادي
|
|
لقد كان عطاء الثورة الحسينية كبيراً جدّاً حيث
أرجعت هذه الثورة الخالدة الأمة الإسلامية إلى مستوى التصدّي للثورة على الحكّام
المنحرفين ، واستطاعت الأمة المسلمة بفضل هذه الثورة المباركة أن تتجاوز الهالة
المزيّفة التي صنعها الأمويون لإضفاء طابع من الشرعية على سلطانهم ، وهذا الوعي
الثوري والعمل الجهادي الذي شكّلته الأمة خلال عدّة عقود قد يأخذ بالهبوط إذا لم
يقترن بعوامل البقاء والاستمرار والتكامل . |
|
ترسيخ مبادئ وأهداف
ومعالم الثورة الحسينية
|
|
لقد
ربط الإمام الصادق (ع) العواطف باتّجاه مبادئ الثورة الحسينية وأهدافها ليكون
الرفض ومقاومة الظلم مستنداً إلى الوعي الصحيح والتوجيه المنطقي ؛ لذا نجد
خطابات الإمام (ع) واهتماماته لم تقتصر على الإثارات الفكرية والتوجيهات الوعظية
نحو الثورة ، وإنّما استندت إلى أساليب تعبويّة وتحشيد
جماهيريّ يعبّر بممارسته وحضوره عن الانتماء لخط الحسين (عليه السلام) . اُمرُرْ على جَدَثِ الحُسَين = فَقُلْ لأعظُمه الزَكِيّه قال
: فبكى ثم قال : زِدني ، قال : فأنشدته
القصيدة الأخرى ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر . قال : فلمّا فرغت قال
لي : ( يا أبا هارون مَن أنشد في الحسين (عليه
السلام) شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين (عليه
السلام) شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين (عليه
السلام) شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت له الجنّة ) (كامل الزيارات لابن
قولويه : باب 33 /104 .) . |
|
ب : البناء الروحي
والإيماني
|
|
لقد تعرّض الواقع الإيماني والروحي في زمن الإمام
الصادق (عليه السلام) إلى الخواء والذبول وبروز الأنانية وفصل الإيمان عن
الأنشطة الحياتية الأخرى وإعطائه صورة مشوّهة ، وقد جاء ذلك بسبب عبث التيارات
الفكرية التي استندت إلى دعم السلاطين والتي كانت تؤمن هي الأخرى أيضاً بلزوم
طاعة الحاكم الأموي والعباسي ; تبريراً لدعمها للخط الحاكم . |
|
مظاهر عمق الإيمان
|
|
لقد أعطى الإمام (عليه السلام) للشيعة علائم
ومؤشّرات واضحة تكشف عن عمق التديّن وعن مدى صحّته وسلامته ، فإنّ الإيمان أمر
باطني ولكن له آثاره ومظاهره التي تكشف عنه . ولا معنى لإيمان بلا عطاء ولا ثبات
ولا قدرة على المواجهة . |
|
القدوة الحسنة
|
|
ومن الوسائل التي استخدمها الإمام (عليه السلام) في
منهجه التغييري وبنائه للمجمتع الفاضل هو اهتمامه وتركيزه على النموذج الشيعي
الذي يشكّل القدوة الحسنة في سلوكه ليكون عنصراً مؤثراً ومحفّزاً للخير ومشجّعاً
لنمو الفضيلة في داخل المجتمع . وقد بذل الإمام (عليه السلام) جهداً منقطع
النظير في تربيته وإعداده للنموذج القدوة وقد سلّحه بمختلف العلوم وأحاطه بجملة
من الوصايا والتوجيهات العلمية والأخلاقية . |
|
ج : البناء الاجتماعي
|
|
رسم الإمام الصادق (عليه
السلام) الخط العام للعلاقات الاجتماعية للجماعة الصالحة ، وبيّن نظامها
ووضع الأسس والقواعد المبدئية لهذا النظام ورسّخها في نفوسهم ؛ ليتمكّن الفرد
الصالح من العيش في المجتمع وفي الظروف الصعبة ، ويمتلك القدرة في مواجهة
المخططات التي تسعى لتفتيت مثل البناء الذي يهدف له الإمام وهو النظام الاجتماعي
الذي خطط له الإمام ، وأمدّه بعناصر البقاء والاستمرار ليمتدّ بجذوره في أوساط
الأمة |
|
الانفتاح على الأُمّة
|
|
لقد أكّد الإمام (عليه السلام) على محور مهمّ يمدّ
الجماعة الصالحة بالقدرة والانتشار هو محور الانفتاح على الأمة وعدم الانغلاق
على أنفسهم ، وقد حثّ الإمام شيعته على توسيع علاقاتهم مع الناس وشجّعهم على
الإكثار من الأصحاب والأصدقاء فقد جاء عنه (ع) : (
أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنّهم ينفعون في الدنيا والآخرة ، أمّا في الدنيا
فحوائج يقومون بها وأمّا في الآخرة فإنّ أهل جهنّم قالوا مالنا من شافعين ولا
صديق حميم ) (وسائل الشيعة : 7 / 407 .)
. |
|
تأكيد علاقة الأُخوّة
:
|
|
كان الإمام (ع) يعمّق ويجذّر علاقة الأُخوّة في
الله ، ويضع لها التوجيهات المناسبة التي تزيد في التلاحم والتفاهم ، فمنها ما
قاله (عليه السلام) لخيثمة : ( أبلغ موالينا السلام
وأوصهم بتقوى الله والعمل الصالح وأن يعود صحيحهم مريضهم وليعد غنيهم على فقيرهم
، وأن يشهد جنازة ميّتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم وأن يتفاوضوا علم الدين فإنّ
ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبداً أحيى أمرنا ) (وسائل الشيعة : 8 / 400.)
. |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من الهجران والمقاطعة
|
|
وندّد الإمام (ع) بظاهرة المقاطعة بين المؤمنين
قائلاً : ( لا يفترق رجلان على الهجران إلاّ استوجب
أحدهما البراءة واللعنة ، وربّما استحق ذلك كلاهما . فقال له معتّب :
جعلني الله فداك ، هذا الظالم . فما بال المظلوم ؟ قال : لأنّه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس ( يتغافل ) له عن كلامه ، سمعت أبي يقول : إذا تنازع اثنان ، فعازّ
أحدهما الآخر فليرجع المظلوم على صاحبه حتى يقول لصاحبه : أي أخي أنا الظالم ،
حتى يقطع الهجران فيما بينه وبين صاحبه فإنّ الله تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ
للمظلوم من الظالم ) (الكافي : 2/344 / ح1 وبحار الأنوار : 75/184 ، وسائل الشيعة :
8/584 .) . |
|
الخطّ التربوي للإمام
الصادق (عليه السلام)
|
|
لم تكن علاقة الإمام الصادق (عليه السلام) مع
جماعته وأصحابه من الناحية التربوية قائمة على أساس الوعظ والإرشاد العام من دون
تشخيص لمستويات وواقع سامعيه فكرياً وروحياً وما يحتاجون إليه ، بل كان (عليه
السلام) يستهدف البناء الخاص ، ويميّز بينهم ويزقّ لهم الفكرة التربوية التي
تحرّكهم نحو الواقع ليكونوا على استعداد تام لتحمّل مسؤولية إصلاح الأمة فكان
يزوّدهم بالأُسس والقواعد التربوية الميدانية التي تؤهلهم لتجاوز الضغوط النفسية
والاقتصادية ويمتلكوا الأمل الإلهي في تحقيق أهدافهم .
النقطة الأولى : في الدعوة والإصلاح
|
|
الباب الرابع
|
|
فيه فصول : الفصل الأول : نهاية الحكم الأموي وبداية الحكم العبّاسي . الفصل الثاني : حكومة المنصور واستشهاد الإمام الصادق (عليه
السلام) . الفصل الثالث : من تراث الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) . |
|
الفصل الأول : نهاية الحكم الأموي
وبداية الحكم العبّاسي
|
|
1 ـ المستجدّات السياسية
|
|
لقد
تداعا النظام الأموي في هذه المرحلة التاريخية من حياته بعد أن فقد في نظر الأمة
كلّ مبرّراته الحضارية ، عقائدية كانت أو سياسية ، ولم يبقَ في قبضته سوى منطق
السيف الذي هو آخر مواطن القوّة التي كان يدير بها شؤون البلاد . وكان من جملة العلماء الذين يدخلون على الإمام للاستفادة منه :
حفص بن غياث وهو أحد أعلام عصره وأحد المحدثين في وقته فكان يطلب من الإمام
(عليه السلام) أن يرشده ويوصيه . فقال له الإمام (عليه السلام) : ( إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا ، وما عليك أن لم يثن
الناس عليك ـ إلى أن قال ـ : إن قدرت أن لا
تخرج من بيتك فافعل فإنّ عليك في خروجك أن لا تغتاب ، ولا تكذب ولا تحسد ، ولا
ترائي ، ولا تداهن ) . |
|
2 ـ الحركة العبّاسيّة ( النشأة والأساليب
)
|
|
سبقت الإشارة إلى النواة الأولى التي دفعت ببني
العبّاس إلى أن يطمعوا في الخلافة ويمنّوا أنفسهم بها . |
|
الاساليب |
|
الأُسلوب الأوّل : الأُسلوب الثاني : |
|
اجتماع الأبواء
|
|
وكان
الهدف من عقد هذا الاجتماع الصوري بالإضافة إلى الهدف الذي ذكر أعلاه تهيئة
الأجواء الودية وإشاعة روح المحبّة والوئام بينهم وبين العلويين وتطميناً
لخواطرهم ، وعلى أقل تقدير جعلهم محايدين في هذا الصراع ، ليتمّ لهم ما يهدفون
إليه ويحشدوا ما استطاعوا من قوّة لصالحهم . وقام صالح بن علي خطيباً فقال :
قد علمتم أنّكم الذين تمدّ الناس أعينهم إليهم ، وقد جمعكم الله في هذا الموضع ،
فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إيّاها من أنفسكم وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله
وهو خير الفاتحين . |
|
تحرّك العبّاسيين بعد
المؤتمر
|
|
بعد أن حقّق المؤتمر غرضه وأنِسَ الحاضرون بقراره
الكاذب نشط إبراهيم الإمام في الاتجاه الآخر
ليواصل عمله بشكل مستقل عن أعضاء المؤتمر فأصدر عدّة
قرارات سرّية كعادته منها : أنّه كتب إلى شيعته في الكوفة وخراسان : إنّي قد أمّرت أبا مسلم بأمري فاسمعوا له وأطيعوا ، قد أمّرته على خراسان ، وما غلب عليه . كان ذلك سنة ( 128 هـ ) وكان أبو مسلم لا يتجاوز عمره التسعة عشر سنة ووصفوه بأنّه كان يقظاً
فاتكاً غادراً لا يعرف الرحمة ولا الرأفة ، وكان ماهراً في حياكة الدسائس . |
|
3 ـ موقف الإمام (عليه السلام) من الأحداث
|
|
التزم الإمام الصادق (عليه السلام) إزاء المستجدّات
السياسية في هذه المرحلة موقف الحياد . لكنّه من جانب آخر واصل العمل في نهجه
السابق ، وأخذ يتحرّك بقوّة ويوسّع من دائرة الأفراد الصالحين في المجتمع ؛
تحقيقاً لهدفه الذي خطّه قبل هذا الوقت وحفاظاً على جهده في بناء الإنسان . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من عرض أبي سلمة الخلاّل
|
|
لقد أدرك أبو سلمة الخلاّل أحد الدعاة
العباسيين النشطين في الكوفة والذي لعب دوراً متميّزاً في نجاح الدعوة العباسية
وتكثير أنصارها في الكوفة ؛ وذلك لما امتاز به من لياقة
وعلم ودهاء ، وثراء حيث أنفق من ماله الخاص على رجال الدعوة العباسية ، وكانت له
علاقة خاصة واتصالات مستمرّة مع إبراهيم الإمام ، وأدرك
بعد موت إبراهيم الإمام بأنّ الأمور تسير على خلاف ما كان يطمح إليه أو
لعلّه كان قد تغيّر هواه واستجدّ في نفسه شيء ، ولاحظ
أنّ مستقبل الخلافة سيكون إلى أبي العباس أو المنصور وهما غير جديرين بالخلافة
أو لطمعه بالسلطة ، نراه يكتب للعلويين وفي
مقدّمتهم الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّه يريد البيعة لهم . |
|
موقف الإمام الصادق
(عليه السلام) من العلويين
|
|
أمّا العلويون الذين خدعهم العباسيون في اجتماع
الأبواء قبل انتصار العباسيين وبايعوا في حينه محمد بن عبد الله كخليفة للمسلمين
، فقد استجاب عبد الله بن الحسن أيضاً للعرض
الذي تقدم به أبو سلمة وجاء للإمام الصادق
مسروراً يبشّره بهذا العرض . |
|
نهاية أبي سلمة الخلاّل
|
|
ولم يخف أمر أبي سلمة الخلال على
العباسيين فقد أحاطوه بالجواسيس التي تسجّل جميع حركاته
وأعماله وترفعها إلى العباسيين ، فاتفق السفّاح وأخوه
المنصور على أن يخرج المنصور لزيارة أبي مسلم ويحدّثه بأمر أبي سلمة ، ويطلب منه القيام باغتياله ، فخرج المنصور ، والتقى
بأبي مسلم ، وعرض عليه أمر أبي سلمة فقال ، أبو مسلم :
أفعلها أبو سلمة ؟ أنا أكفيكموه ؟ ثم دعا أحد
قوّاده ( مرار بن أنس الضبي ) ، وقال له : انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته . فسار إلى
الكوفة مع جماعة من جنوده وكان أبو سلمة يسمر عند
السفّاح الذي تظاهر بإعلان العفو والرضا عنه ، واختفى مرار مع جماعته في
طريق أبي سلمة فلمّا خرج من عند السفّاح بادر
إلى قتله ، وأشاعوا في الصباح : أنّ الخوارج هي
التي قتلته (اليعقوبي
: 2/354 وتاريخ الأمم والملوك ، أحداث سنة ( 132 ) قتل أبو سلمة في الخامس عشر
من شهر رجب بعد هزيمة مروان بشهر واحد .)
. |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من عرض أبي مسلم
|
|
أمّا أبو مسلم الخراساني
الذي قاد الانقلاب على الأمويين في خراسان ، وتمّ تأسيس الدولة العباسية على
يديه نجده في الأشهر الأولى من انتصار العبّاسيين
وإعلان البيعة لأبي العباس السفاح بالكوفة يكتب للإمام الصادق (عليه السلام) رسالة يريد
بها البيعة للإمام (عليه السلام) فقد جاء فيها
: إنّي قد أظهرت الكلمة ، ودعوت الناس عن موالاة بني أُميّة إلى موالاة أهل
البيت فإن رغبت فلا مزيد عليك (الملل والنحل للشهرستاني : 1 / 241 ، وفي روضة الكافي : 229
جوابه لرسول أبي مسلم بكتابه إليه . وعنه في بحار الأنوار : 47/297 .) . وقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم خير أو الحجاج ؟
قال : لا أقول إنّ أبا مسلم كان خيراً من أحد ولكنّ الحجاج كان شرّاً منه (وفيات الأعيان : 3 / 145
وتاريخ مختصر الدول لابن العبري : 121 : سُئل بعضهم ...) وكان لا يعرف أحداً من خط أهل البيت ومواليهم ; إذ
كانت علاقته محصورة بدائرة ضيّقة كما قد حددها له مولاه
إبراهيم الإمام عندما أمره أن لا يخالف سليمان
بن كثير ، فكان أبو مسلم يختلف ما بين إبراهيم وسليمان (وفيات الأعيان : 3/145 .) . |
|
4 ـ منهج الإمام (عليه السلام) في هذه
المرحلة
|
|
قد أملت الظروف السياسية الساخنة وساهمت في إيجاد
بعض التصوّرات والإرهاصات عند أصحاب الإمام (ع) أُسوة بباقي الناس ، وقد لاحظ
هؤلاء بأنّ الظرف مناسب لتفجير الوضع واستلام الحكم لضخامة ما كانوا يشاهدونه من
شعبية الإمام وكثرة الناس التي تواليه . جاءت التصوّرات والتساؤلات عن ضرورة
الثورة عند ما ورد إلى الإمام كتاب أبي مسلم الخراساني ، فعن الفضل الكاتب قال كنت عند أبي عبد الله (ع) فأتاه كتاب أبي مسلم فقال
(ع) : ليس لكتابك جواب أُخرج عنّا ـ
وقد مرّ جواب الإمام على العرض الذي تقدّم به أبو مسلم ـ فجعلنا يُسار بعضنا
بعضاً فقال : ( أيّ شيء تسارُّون يا فضل ؟ إنّ الله
عزّ ذكره لا يعجل لعجلة العباد ، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض
أجله ) . ثم قال : إنّ فلان بن فلان ، حتى بلغ السابع من ولد فلان . |
|
التصعيد العبّاسي
وموقف الإمام (عليه السلام)
|
|
وبعد
أن تولّى أبو العباس السفّاح الحكم وصار أوّل حاكم عبّاسي قام بتعيين الولاة في البلاد
الإسلامية ، فعيّن عمّه داود بن علي بن العباس والياً
على يثرب ومكة واليمن . وقد خطب داود أوّل
تولّيه المنصب خطاباً في أهالي المدينة وتضمّن خطابه التهديد والوعيد بالقتل
والتشريد قائلاً : أيّها الناس أغرّكم الإمهال حتى حسبتموه الإهمال ،
هيهات منكم ، وكيف بكم ؟ والسوط في كفّي والسيف مشهر . حتى يبيد قبيلة فقبيلة = ويعض كل مثقّف بالهامِ ويقمن ربات الخدور حواسراً = يمسحن عرض ذوائب الأيتامِ (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 1 / 139 .) وكان
تعيين داود بن علي عم السفّاح والياً على
المدينة له الأثر السلبي على حركة الإمام الصادق (عليه
السلام) فقد بادر هذا الأحمق بمواجهة الإمام عن طريق اعتقال مولى الإمام ( المعلّى بن خنيس ) والتحقيق معه لغرض
انتزاع أسماء الشيعة . وقد امتنع هذا المخلص وصمّم على
الشهادة ولم يذكر أي اسم حتى استشهد . |
|
الحضور في أجهزة
السلطة
|
|
ومن الخطوات التي تحرّك نحوها الإمام الصادق (ع) في هذه المرحلة وأسّس لها عملياً هي
الحضور المحدود في أجهزة السلطة لغرض الحفاظ على المسيرة الإسلامية من التحريف
والدفاع عنها عن طريق رصد المعلومات والمخطّطات والمواقف التي يفكّر بها الحكّام
بواسطة هذا النشاط ؛ ليتسنّى للإمام دفع الأخطار وإحباط المؤامرات . ثم يوفّر
هذا النشاط للإمام ردّ المظالم والقيام ببعض الخدمات للمحرومين ؛ ولهذا نجد الإمام (ع) يصدر رسالة شفوية لبعض الشيعة تتضمّن
توجيهات وتحذيرات للعاملين في هذا الميدان ردّاً على رسالة شيعي يطلب من الإمام
توضيحاً لهذه المهمّة إذ جاء فيها : وحاجتي أن تهدي إليّ من تبصيرك على مداراة
هذا السلطان وتدبير أمري كحاجتي إلى دعائك لي . |
|
الإمام الصادق يرسّخ
الاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام)
|
|
من المبادئ التي سعى الإمام الصادق (ع) لترسيخها في
نفوس الشيعة وضمن الدور المشترك الذي مارسه الأئمة (عليهم السلام) من قبله هي
مسألة القيادة العالميّة المهدويّة التي تمثّل الامتداد الشرعي لقيادة الرسول
(صلّى الله عليه وآله) ؛ لأنّها العقيدة التي تجسّد طموحات الأنبياء والأئمة حسب
التفسير الإسلامي للتأريخ الذي يؤكّد بأنّ وراثة الأرض سوف تكون للصالحين من
عباده قال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد
الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون ) (الأنبياء (21) : 105 .) . |
|
الفصل الثاني : حكومة المنصور
واستشهاد الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
المنصور والتضييق على
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
حين
تولّى الحكم أبو جعفر المنصور بعد أخيه أبي العباس السفّاح سنة ( 136 هـ ) عبّر
عن مكنون حقده على الإمام الصادق (عليه السلام) وصحبه من العلويين وغيرهم ، وقال
عنه المؤرّخون : وكان المنصور خدّاعاً لا يتردّد في سفك الدماء وكان سادراً في
بطشه مستهتراً في فتكه (الكامل في التأريخ : 4 / 355 .) . وقد تضمّن هذا
الاتّجاه جملة من الأساليب . الأسلوب الثاني : ومن أساليبه باتّجاه سياسة
التضييق التي فرضها على الإمام (ع) محاولة تسليط
الضوء على بعض الشخصيّات ليجعل منها بدائل علميّة تغطّي على الإمام وتؤيّد
سياسته ، وتساهم من جانب آخر في تضعيف القدسية والانجذاب الجماهيري نحو الإمام ،
وتؤدّي بالنتيجة إلى شق وحدة التيّار الإسلامي الذي يقرّ بزعامة الإمام (ع)
وأعلميّته وإيجاد الفرقة والاختلاف . الأسلوب الثالث : لقد كانت سياسة الإمام (عليه
السلام) إزاء حكومة المنصور ذات طابع غير ثوري ، وإنّما سلك الإمام نفس نهجه
السابق في التغيير والإصلاح ، وقد أوحى للمنصور في وقت سابق بأنه لم يكن بصدد
التخطيط للثورة ضدّه بل صرّح له في أكثر من مرة بذلك ، إلاّ أنّ المنصور لم
يطمئن لعدم تحرّك الإمام وثورته التغييرية ؛ وذلك بسبب ما كان يشاهده من كثرة
مؤيّديه . |
|
تحرّك العلويين نحو
الثورة
|
|
بعد أن تأكّد المنصور عن طريق المعلومات التي كانت
تصله من جواسيسه بأنّ السادة الحسنيين يخطّطون للثورة عليه ، انتظر المنصور موسم
الحجّ فلمّا حان الموسم سافر هو وحاشيته إلى بيت الله الحرام ، وبعد انتهائه من
مناسك الحجّ رجع إلى يثرب وقد صحب معه عقبة بن مسلم الجاسوس الذي عيّنه المنصور
لمراقبة تحرّك آل الحسن وكان قد أوصاه قبل سفره فقال له
:إذا لقيني بنو الحسن وفيهم عبد الله فأنا مكرمه ورافع محمله وداع بالغذاء فإذا
فرغنا من طعامنا فلحظتك فامتثل بين يديه فإنه سيصرف عنك بصره ، فاستدر حتى ترمز
ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من آل الحسن
|
|
وكتب الإمام الصادق (ع) إلى عبد الله بن الحسن
رسالة يعزّيه فيها ويُصبّرهُ على المصاب الذي جرى عليه وعلى أصحابه . |
|
ثورة محمد بن عبد
الله ( ذي النفس الزكيّة )
|
|
إنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي الملقّب بذي النفس الزكيّة قد رشّح باتّفاق الهاشميين
للخلافة ، وكان المنصور يسير بخدمته ويسوّي عليه
ثيابه ويمسك له دابته تقرّباً إليه ، وقد بايعه مع أخيه
السفّاح مرّتين . وبعد اختلاس العبّاسيين للحكم واستبدادهم وشياع ظلمهم تألّم محمد فأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب له الناس
وظلّ مختفياً مع أخيه إبراهيم ، وقد انتشرت
دعاتهم في البلاد الإسلامية داعية المسلمين إلى بيعة محمد هذا . |
|
موقف الإمام (عليه
السلام) من الثورة :
|
|
لقد حذّر الإمام
الصادق (عليه السلام) عبد الله بن الحسن من
الترويج لابنه محمّد على أساس أنّه المهدي لهذه
الأمة ، وأخبر (عليه السلام) بمستقبل الأحداث
ونبّه على أنّها ستنتهي باستشهاد محمد وأخيه إبراهيم
، وأنّ الخلافة بعد أبي العباس السفّاح ستكون للمنصور
العباسي . |
|
الإمام الصادق يهيّئ
الخط الشيعي للمواصلة
|
|
لقد
كانت الفترة الأخيرة من حياة الإمام الصادق (ع) مع حكومة المنصور فترة تشدّد
ومراقبة لحركة الإمام ، تخلّلتها محاولات اغتيال عديدة
، لكنّ الإمام (ع) علم أنّ المنصور قد صمّم على قتله ؛ ولهذا مارس جملة من الأنشطة ليهيّئ فيها الخط الشيعي لمواصلة
الطريق من بعده . 2 ـ قال عنبسة العابد : لمّا مات
إسماعيل بن جعفر بن محمد (عليهما السلام) وفرغنا من جنازته ، جلس الصادق (عليه
السلام) وجلسنا حوله وهو مطرق ، ثم رفع رأسه فقال : ولا تحسبي أنّي تناسيت عهده = ولكنّ صبري يا أُميم جميل (كمال الدين : 72 ، 73 وأمالي
الصدوق : 197 وعنهما في بحار الأنوار : 47 / 245 .) 3 ـ قال إسحاق بن عمار : وصف إسماعيل
أخي لأبي عبد الله (ع) دينه واعتقاده فقال : إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ
محمداً رسول الله وأنّكم ـ ووصفهم يعني الأئمة ـ واحداً واحداً حتى انتهى إلى
أبي عبد الله . ثم قال : وإسماعيل من بعدك ! قال
: ( أمّا إسماعيل فلا ) (الغيبة للنعماني : 224 ،
وعنه في بحار الأنوار : 47 / 261 .)
. النشاط الثاني : رغم الحرب الباردة التي كانت
بين المنصور والإمام الصادق (عليه السلام) نلاحظ أنّ الإمام قد مارس بعض الأدوار
مع السلطة لغرض الحفاظ على الأمة وسلامة مسيرتها وإبقاء روح الرفض قائمة في
نفوسها ، مخافة أن تسبّب ممارسات المنصور حالة من الانكسار للشيعة حين الاستجابة
لمخطّطاته . 2 ـ قال عبد الله بن سليمان التميمي :
لمّا قُتل محمد وإبراهيم ابنا عبد الله ابن الحسن صار إلى المدينة رجل يقال له
شبّة عقال ، ولاّه المنصور على أهلها ، فلمّا قدمها وحضرت الجمعة صار إلى المسجد
فرقى المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال : النشاط الثالث : وهو نشاط الإمام الصادق (عليه
السلام) الخاص مع الشيعة في هذا الظرف العصيب وأساليب الاتّصال معهم . |
|
محاصرة الإمام (عليه
السلام) قُبيل استشهاده
|
|
صعّد المنصور من تضييقه على الإمام الصادق (عليه
السلام) ، ومهّد لقتله . |
|
الإمام الصادق (عليه
السلام) في ذمّة الخلود
|
|
وتتابعت
المحن على سليل النبوّة وعملاق الفكر الإسلامي ـ الإمام الصادق (ع) ـ في عهد المنصور الدوانيقي ـ فقد رأى ما قاساه
العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء ، وما كابده هو بالذات من صنوف أ ـ إنّه أوصى للحسن بن علي المعروف
بالأفطس بسبعين ديناراً ، فقال له شخص : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟ فقال
(عليه السلام) له : ويحك ما تقرأ القرآن؟! : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) (الغيبة للطوسي : 197 ،
بحار الأنوار : 47/276 .) . ب ـ إنّه أوصى بوصاياه الخاصّة ، وعهد
بأمره أمام الناس إلى خمسة أشخاص : وهم المنصور الدوانيقي ، ومحمد بن سليمان ،
وعبد الله ، وولده الإمام موسى ، وحميدة زوجته . ج ـ إنّه أوصى بجميع وصاياه إلى ولده الإمام
الكاظم (عليه السلام) وأوصاه بتجهيزه وغسله وتكفينه ، والصلاة عليه ، كما نصبه
إماماً من بعده ، ووجّه خواصّ شيعته إليه وأمرهم بلزوم طاعته . د
ـ إنّه دعا السيّدة حميدة زوجته ، وأمرها بإحضار جماعة من جيرانه ، ومواليه ،
فلمّا حضروا عنده قال لهم : ( إنّ شفاعتنا لا تنال
مستخفّاً بالصلاة ... ) (بحار الأنوار : 47/2 عن عقاب الأعمال للصدوق : 272 ط طهران ـ
الصدوق .) . (مقتضب الأثر في النصّ
على الأئمة الاثني عشر ، للجوهري : 52 .) |
|
الفصل الثالث : تراث الإمام الصادق
(عليه السلام)
|
|
إنّ
الحقبة الزمنية التي نشط فيها الإمام الصادق (ع) لإرساء دعائم منهج أهل البيت
(عليهم السلام) ورسم خطوطه التفصيلية تبلغ ثلاثة عقود ونصف عقد تقريباً . |
|
أعلام السنّة الذين
أخذوا عن الإمام الصادق (عليه السلام) :
|
|
أخذ عنه عدّة من أعلام السنّة وأئمّتهم ،
وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الأستاذ ، بل لم يأخذوا عنه إلاّ وهم
متّفقون على إمامته وجلالته وسيادته ، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع ،
والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ، بل عدّوا أخذهم عنه منقبة شُرّفوا بها ،
وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل ، ونحن أولاء نورد لك شطراً من
أولئك الأعلام . |
|
مصادر المعرفة
وآثارها
|
|
1 ـ عن علي بن الحكم ، عن هشام ، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال : ( لمّا خلق الله العقل
استنطقه ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، فقال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزّتي
وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليّ منك ، بك آخذ ، وبك أعطي وعليك أثيب )
(المحاسن : 1/192 ،
كتاب مصابيح الظلم ، باب 1 ، باب العقل ، ح 7 .)
. |
|
الأنبياء والأئمّة
|
|
1 ـ عن أبي حمزة الثمالي ، قال أبو عبد
الله (ع) : ( إيّاك والرياسة وإيّاك أن تطأ أعقاب
الرجال ـ إلى أن قال ـ : إيّاك أن تنصب رجلاً دون الحجّة ، فتصدقه في كل ما قال
) (معاني
الأخبار : 1/164 ، باب معنى وطء أعقاب الرجال .)
. |
|
الإسلام والإيمان
|
|
1 ـ عن جميل بن صالح ، قال : قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) أخبرني عن الإسلام والإيمان ، أهما مختلفان ؟ قال : ( إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان
، فقلت : فصفهما لي قال : ( الإسلام شهادة أن لا إله
إلاّ الله والتصديق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، به حقنت الدماء وعليه
جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس ، والإيمان الهدى وما ثبت في
القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة )
(الكافي : 2/25 ،
كتاب الإيمان والكفر باب أنّ الإيمان يشارك الإسلام ، ح 1 .) . |
|
التفقّه في الدين
|
|
1 ـ عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبي
عبد الله (ع) ، قال : ( قال رسول الله (ص) : طلب
العلم فريضة على كل مسلم ، ألا وأنّ الله يحب بغاة العلم ) (الكافي : 1/30 ، كتاب
فضل العلم الباب 1 ، باب فرض العلم ، ح 1 .)
. |
|
مصادر التشريع
الإسلامي
|
|
1 ـ عن حمّاد ، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال : سمعته يقول : ( ما من شيء إلاّ وفيه
كتاب أو سنّة ) (الكافي : 1/59 ، كتاب فضل العلم ، الباب 20 ، باب الرد إلى
الكتاب ، ح 4 .) . |
|
علم الأئمّة (عليهم
السلام)
|
|
1 ـ عن عبد الأعلى بن
أعين قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( قد ولدني (أي حصلني .) رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا أعلم كتاب الله
وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء والأرض ، وخبر
الجنّة ، وخبر النار ، وخبر ما كان وما هو كائن ، أعلم ذلك كأنّي انظر إلى كفّي
، إنّ الله يقول : ( فيه تبيان كل شيء ) ) (الكافي : 1/61 ، كتاب فضل العلم ، الباب 20 ، باب الردّ إلى
الكتاب ، الحديث 8 .) .
|
|
المناهج المنحرفة
|
|
1 ـ قال الصادق (ع) : ( دع القياس والرأي وما قال قوم في دين الله ليس له برهان )
(علل الشرائع :
1/88 ، الباب 81 ، باب علّة المرارة في الأُذنين ... ، ح 4 .) . |
|
نماذج من الفهم
الخاطئ
|
|
1 ـ عن عبد المؤمن الأنصاري ، قال : قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ قوماً يروون عن رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) ، قال : ( اختلاف أُمّتي رحمة ، فقال : ( صدقوا ) ، فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم
عذاب ! فقال : ( ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنّما أراد ،
قول الله عزّ وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) الآية . فأمرهم أن ينفروا الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
فيتعلّموا ، ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم ، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا
اختلافاً في دين الله ، إنّما الدين واحد ، إنّما الدين واحد ) (معاني الأخبار : 157/1
في معنى قوله اختلاف أُمّتي رحمة ، والآية في التوبة : 122 .) . |
|
منهج التفقه في الدين
|
|
1 ـ عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) : ما حقّ الله على خلقه ؟ قال : (
أن يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى
الله حقّه ) (المحاسن : 1/204 ، كتاب مصابيح الظلم ، الباب 4 ، حق الله عزّ
وجلّ في خلقه ، الحديث 53 .) . |
|
قواعد فقهيّة عامّة
|
|
1 ـ عن موسى بن بكر ، قال : قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام) ، الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو
أكثر من ذلك ، كم يقضي من صلاته ؟ قال : ( ألا أخبرك
بما يجمع لك هذه الأشياء كلّها ؟ كلّما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده )
(الخصال : 2/644 ،
أبواب ما بعد الألف ، ح 24 .) . |
|
نماذج من فقه الإمام
الصادق (عليه السلام)
|
|
1 ـ عن ابن أُذينة ، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) ، قال : قال : ( ما تروي هذه الناصبة ؟
فقلت : جعلت فداك في ماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم
وسجودهم ، فقلت : إنّهم يقولون : إنّ أُبيّ بن كعب رآه في النوم ، فقال :
كذبوا ، فإنّ دين الله اعزّ من أن يرى في النوم )
(الكافي : 3/482 ،
كتاب الصلاة ، باب النوادر .) . |
|
نماذج من مواعظ
الإمام الصادق (عليه السلام)
|
|
1 ـ قال (ع) : ( ليس منّا ولا كرامة
مَن كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وفيهم مَن هو أورع منه ) . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين |
|
|
|